12‏/6‏/2012

ماذا بعد سحب المغرب ثقته من كريستوفر روس؟


علي أنوزلا
ملاحظة : المقال مأخوذ من صحافة العدو المغربي . ولاتتحمل المستقبل اي مسؤولية عن مضمون المقال. وقد تم ادراجه بالموقع بغرض الاطلاع بعد توصلنا بمقال من احد الكتاب الصحراويين ردا على هذا المقال.
------------------------------------------------
من خلال قراءة كل البيانات الرسمية، والمقالات التي كتبت حول قرار المغرب سحب ثقته من كريستوفر روس، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الخاص بالصحراء، يبدو انها لم تأتي بجديد. فالكل، أحزابا وإعلاما يكررون نفس الكلام الذي جاء في البيان الرسمي الصادر عن الحكومة. ما يعني أنه لولا بيان الحكومة لما اكتشف هؤلاء أن كريستوفر روس لم يكن "محايدا"، وإلا لماذا لم يعبر أي منهم عن هذا الموقف أو على الأقل يحذر منه قبل أن يصدر عن الحكومة؟! مع العلم أن الرجل ظل لأكثر من ثلاث سنوات وهو يدير الملف، وعقد تسع جولات من المفاوضات غير الرسمية، فأين كانت الأحزاب والبرلمان والإعلام الذي ينتقد اليوم كريستوفر روس ويتهمه بالتحيز؟!
لماذا لم يتم الانتباه إلى تحيزه المزعوم طيلة الفترة الماضية، أم كان يجب أن ينتظر الجميع حتى تصدر المواقف الرسمية ليتبعها الجميع يرددها ورائها برلمانا وأحزابا وإعلاما كما كان يحصل في السابق ومازال يتكرر إلى يومنا هذا.
لاشئ تغير...
من حق الأحزاب والبرلمان والإعلام الرسمي وشبه الرسمي والخاص أن يتبنى مواقف السلطة ويرددها مثل رجع الصدى، حتى لو لم يكن على علم بخلفيات تلك المواقف، أو غير متأكد من مدى صوابها. وقد بينت التجارب السابقة أن أكثر تلك المواقف لم تكن صائبة أو على الأقل تم التراجع عنها من قبل نفس السلطة التي تبنتها ودافعت عنها ودفعت الناس إلى تبنيها أو على الأقل منعتهم من انتقادها...
إن ما يحدث اليوم ليس بجديد، وإنما هو تكرار لنفس سيناريو أخطاء التدبير الأحادي للملف، وللقرارات المرتجلة التي تتخذ في دهاليز السلطة ويطلب من الجميع تبنيها والدفاع عنها، ومتى اتضح عدم صوابها يطلب من الجميع التخلي عنها وانتقادها من دون طرح السؤال حول المسؤول عن اتخاذها.
الاستفتاء التأكيدي
ألم يحدث نفس الموقف أو ما يشبهه عندما قرر المغرب عام 1981، قبول استفتاء تقرير المصير، وعندها خرجت الأحزاب وإعلامها بالتهليل للموقف المغربي، مع استثناء واحد هو حزب "الاتحاد الاشتراكي"، وزعيمه عبدالرحيم بوعبيد، الذي زج به في السجن هو ورفاقه عقابا لهم على معارضة القرار الملكي. وعندما خرجوا من السجن كانت الدولة قد غيرت خطابها وأصبحت تدافع عن "الاستفتاء التأكيدي لمغربية الصحراء". وبعد سنوات من الإعداد لهذا الاستفتاء، اكتشف صاحب القرار أن نتيجته ليست مضمونة حتى تجعله بالفعل "استفتاء تأكيديا"، فسحبت عبارة "الاستفتاء التأكيدي" من التعامل الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي ومن بيانات الأحزاب والنقابات، وبدا الترويج لمقولة أن "الاستفتاء أصبح غير ذي موضوع". واتهمت "البوليساريو" بأنها هي من عرقل الاستفتاء، مع أنها هي من كان وما زال يطالب به. وحتى عندما كشفت بعثة الأمم المتحدة "مينورسو" عن نتائج إحصائها الأولى للمؤهلين للمشاركة في ذلك الاستفتاء، اتضح أن أكثر من 50 ألف من بينهم يعيشون في الأقاليم التي ظلت خاضعة للإدارة المغربية، و 35 ألف الآخرين، ممن تم قبولهم للمشاركة في الاستفتاء يعيشون مفرقين مابين مخيمات تندوف بالجنوب الجزائري وموريتانيا وغيرها من مناطق الشتات الصحراوي. ومع ذلك قبلت البوليساريو بإجراء الاستفتاء بناء على تلك القاعدة الانتخابية التي لم تكن في صالحها عدديا، إذا افترضنا أن من يسكنون في الأقاليم الخاضعة للإدارة المغربية، بل وحتى بعض الغاضبين على قيادة البوليساريو داخل مخيماتها قد يصوتون لصالح المغرب إما عن قناعة أو عقابا للطرف الآخر.
مغامرة غير محسوبة
رفض المغرب الدخول في مغامرة غير محسومة العواقب مسبقا. وطالب بتوسيع قاعدة الناخبين. وفي عام 1997جاء إلى المنطقة أول مبعوث أممي هو جيمس بيكر، والذي نجح في فتح الباب أمام المزيد من المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء، وتم التوقيع على اتفاقيات "هيوستن"، وهللت لتلك الاتفاقات الحكومة والبرلمان والأحزاب والإعلام الرسمي وشبه الرسمي، على اعتبار أنها جسدت انتصارا كبيرا للدبلوماسية المغربية. وهي بالفعل كانت كذلك، بما أنها تضمنت كل شروط المغرب الخاصة بإحصاء السكان المؤهلين للمشاركة في الاستفتاء. وفتح الباب لكل من قطن الصحراء منذ 1991 للمشاركة في الاستفتاء، وهو ما كانت تعترض عليه البوليساريو التي أرادت أن تضع "معيار الدم"، كمقياس وحيد لإحصاء السكان، وذلك بناء على علاقاتهم العائلية والقبلية بالمحصيين في وثيقة الإحصاء التي وضعتها الإدارة الاستعمارية الاسبانية عام 1974، أي سنة واحدة قبل انسحابها من الصحراء.
البحث عن مخرج جديد
فتحت اتفاقات "هيوستن" الباب أمام أكثر من 200 ألف ناخب جديد اقترحهم المغرب على اعتبار أن جذورهم صحراوية، وقامت السلطة في المغرب بتهجير عشرات الآلاف من الأسر المنحدرة من الصحراء أو المنتمية إليها قبليا وأسكنتهم فيما سمي بـ "مخيمات الوحدة"، التي تحولت اليوم إلى بؤر لعدم الاستقرار الاجتماعي في الأقاليم الصحراوية. لكن سرعان ما سيتضح للسلطة مرة أخرى أن حتى أولئك الذي تم جلبهم من خارج الأقاليم المتنازع عليها يصعب التحكم في أصواتهم. فبدا البحث عن مخرج جديد لإنهاء الاستفتاء. وبدأ الهجوم على اتفاقات "هيوستن" باعتبار أنها مجرد كمين للإيقاع بالمغرب، وارتفعت بعض الأصوات المزايدة تتهم إدريس البصري، وزير الداخلية السابق بالخيانة لأنه هو من وقع على تلك الاتفاقات المشئومة!
خدعة الطريق الثالث!
بدأ بيكر بالبحث عن طريق ثالث، أي طريق آخر غير الاستفتاء الذي رفضه المغرب، وفي نفس الوقت يجنب المنطقة العودة مجددا إلى الحرب. وجاء بخطة حملت اسمه، ومرة أخرى نوه المغرب الرسمي بالخطة الجديدة، واحتفل بها الإعلام الرسمي وبيانات الأحزاب والنقابات والجمعيات كنصر مبين. كانت الخطة تقوم على حكم ذاتي في المنطقة كمرحلة انتقالية تدوم خمس سنوات، تنتهي باستفتاء لتقرير مصير الإقليم يشارك فيه كل من يسكن به. قبل المغرب في البداية الخطة لأن الهدف كان هو الانتهاء مع قصة استفتاء تقرير المصير، إلى أن جاء من يذكر صاحب القرار بأن المغرب أوقع نفسه من جديد في خدعة كبيرة، لأن الخطة لا تلغي الاستفتاء "المشؤوم"، وإنما تؤجله. وبالتالي فما وافق عليه المغرب هو نوع من الاستقلال التدريجي والمبرمج للإقليم. فأقامت الدبلوماسية المغربية الدنيا وأقعدتها للتخلص من خطة بيكر.
وأمام انغلاق الأفق في وجه خطته اضطر بيكر إلى الانسحاب، ومرة أخرى اعتبرت الدولة وأحزابها وإعلامها ذلك الانسحاب بأنه نصر آخر عظيم في سجل الدبلوماسية المغربية. مع أن الرجل انسحب ولم يسحب، بما أنه استقال من منصبه كما قال هو نفسه في كتاب مذكراته "العمل الشاق، الدراسة...والابتعاد عن السياسة"، والذي بين فيه أسباب استقالته من منصبه الطوعي عندما كتب: "واصلت العمل إلى سنة 2004، وبعد ذلك استقلت. لقد عملت كل ما أستطيع وحان الوقت لإعطاء الفرصة لشخص آخر".
ورغم هذا الموقف الواضح لبيكر الذي يؤكد فيه أنه هو من استقال طواعية من منصبه الذي قبل الاشتغال به بدون مقابل مادي، فإن من يعود إلى قراءة بيانات الأحزاب والنقابات والجمعيات المغربية والمقالات التي كتبت في الصحافة المغربية عن تلك الاستقالة، سيجدها كلها تتهمه بـ"التحيز"، وتصف انسحابه بالانتصار الكبير للدبلوماسية المغربية. تماما كما يحصل اليوم مع كريستوفر روس، وكأن لاشئ تغير أو سيتغير...
كل طرف يراوح مكانه
بعد إسقاط خطة بيكر بدأ المغرب يتحدث عن "التسوية السياسية"، وتقدم المغرب الذي رفض الخطة، بمقترح بديل، كان عبارة عن مبادرة "الحكم الذاتي الموسع تحت السيادة المغربية". ومرة أخرى قام الجميع في الداخل بالتهليل والترحيب بالمبادرة الجديدة. وصادف طرح مبادرة المغرب وجود مبعوث أممي جديد هو الدبلوماسي الهولندي باتريك فان فالسوم، الذي كان أقرب إلى تبني وجهة نظر المغرب، فكان طبيعيا أن يلقى مقاومة قوية من قبل الجزائر والبوليساريو، اللذان ضغطا إلى أن سحب بعدما أوقعه تصريحه فيما وصفته البوليساريو والجزائر بأنه "انحياز" لجهة المغرب، وذلك عندما قال بان "خيار استقلال الصحراء أمر غير واقعي"، وهو ما اعتبرته "البوليساريو" طعنا في طرحها الذي تدافع عنه.
وبعد انسحابه كشف الديبلوماسي الهولندي ليومية "إن إر سي هونديلسبلاد" الهولندية أن منصبه لم يكن ليمنعه عن ممارسة حقه في التعبير عن رأيه، عندما اعتبر أن "خيار استقلال الصحراء غير واقعي"، مضيفا قوله: "اعتبرت أنه إذا لم أعبر عن رأيي الآن، سأشعر، بعد عام، بأني قد أصبح متجاوزا بشكل كبير.. ومهددا بفقدان مصداقيتي، وكأنني كلفت بهذه القضية فقط لأجعلها تدوم إلى ما لا نهاية".
تمت إقالة فان فالسوم، الذي اختار الصدق مع نفسه على التزام الحياد في موضوع قال هو نفسه إنه من غير الأخلاقي أن يطيل امد مسلسل المفاوضات حوله، فيما تتعمق معاناة اجيال من الأطفال والسكان جراء استمراره.
اضطر فان فالسوم إلى الانسحاب بعد خمس جولات من المفاوضات المباشرة، وبقي كل طرف يراوح مكانه. فالخطة المغربية لم تحقق الاختراق الذي كان يتوقع لها، بل بالعكس أعادت تلك المفاوضات مقترح البوليساريو إلى طاولة الحوار، بما ان آلية التفاوض في الأمم المتحدة تفرض أن يكون لأطراف التفاوض نفس الحقوق وتقع عليهم نفس الواجبات.
فعندما طرح المغرب ورقته طالبت البوليساريو بالمعاملة بالمثل. وعندما طالب المغرب بمناقشة اقتراحه فرضت البوليساريو مناقشة طرحها. وعندما طلب الوسيط الأممي من البوليساريو مناقشة اقتراح المغرب كان من واجب المغرب مناقشة طرح البوليساريو.
تكتيك كريستوفر
انسحب فان فالسوم في الوقت الذي كان ينتظر فيه مساندة قوية من المغرب وأصدقائه كما يحصل الآن مع كريستوفر روس من قبل الجزائر والبوليساريو. فترك الرجل للنهش في مصداقيته ونزاهته. وجاء كريستوفر روس الذي حاول منذ البداية أن يتجنب أخطاء سلفه، وعكس ما كان يطالب به المغرب ان تبدأ المفاوضات مع المبعوث الجديد من النقطة التي انتهت إليها المفاوضات في عهد سلفه، اختار كريستوفر روس الدعوة إلى سلسلة من المفاوضات الماراثونية غير المباشرة لسبر اغوار فكر كل طرف. وعلى مدى ثلاث سنوات عقدت تسع جولات من المفاوضات غير الرسمية. كان تكتيك كريستوفر، وهو دبلوماسي محنك، يتمثل في احراز تقدم ملموس قبل استئناف جولات المفاوضات الرسمية المباشرة. وهكذا بدأ خطته بتقريب وجهات النظر من خلال تسريع وتفعيل اجراءات الثقة، والبحث عن نقاط التقارب بين طرفي النزاع.
بدا كريستوفر روس بفرض خطة البوليساريو كورقة موازية للورقة المغربية، ودفع كلا الطرفين إلى ان يناقش كل طرف ورقة خصمه. وانتقل إلى البحث عن نقاط التقارب داخل الورقتين وطرحها للنقاش. وهكذا بدأ بتقوية اجراءات الثقة من خلال عقد لقاءات مباشرة ما بين أعضاء المجتمع المدني في الصحراء ومخيمات تندوف، وعقد أول لقاء من هذا النوع في جزر الآصور البرتغالية. وانتقل إلى مناقشة الموارد الطبيعية بالمنطقة، وجرى آخر لقاء حول هذا الموضوع بين فنيين من الطرفين وتحت اشراف أممي بألمانيا.
ورطة مالطا
كانت خطة كريستوفر روس تهدف إلى جر كلا الطرفين إلى نقاط التقاء مشتركة موجودة داخل ورقتيهما، وهكذا وأثناء جولة المفاوضات التي جرت في ماطا (الجولة السابعة) فتح النقاش حول استئناف الجهود لإعداد لائحة للمصوتين في الاستفتاء، بما ان كلا الخطتين تنصان على تنظيم استفتاء لاستشارة السكان. فالمبادرة المغربية تنص على أن تزكيتها النهائية يجب أن تمر عبر موافقة السكان من خلال استفتاء شعبي عليها. أما مقترح البوليساريو فيقوم أصلا على استفتاء لتقرير المصير. وخلال لقاء مالطا التزم المغرب كتابيا، بالعودة إلى مناقشة لوائح الناخبين، رغم أنه كان يعتبر ان تعقيد تحديد لوائح الناخبين هي من الأمور التي حالت دون تنظيم الاستفتاء في الفترة السابقة.
لم تعي الدبلوماسية المغربية الورطة التي أوقعت نفسها فيها إلا في فترة لاحقة، وفي الجولة الثامنة من المفاوضات غير الرسمية اقترح المغرب تأجيل النقاش حول ما تعهد به كتابيا. وعندما عين سعد الدين العثماني وزيرا جديدا للخارجية سيرث أخطاء تدبير أسلافه للملف. وجد العثماني الذي قاد وفد بلاده في آخر جولة من المفاوضات (الجولة التاسعة) نفسه أمام امر واقع فرضه التزام سلفه، ورغم أنه لم يكشف عما دار في هذه الجولة إلا ان كريستوفر روس خرج منها ليعلن عزمه زيارة المنطقة بما فيها الأقاليم المتنازع عليها، وكانت تلك ستكون أول زيارة ميدانية لوسيط أممي منذ وقف إطلاق النار عام 1991.
وفي غياب أية معلومات حول الهدف من تلك الزيارة والخلفيات التي حركتها او الملابسات التي كانت سترافقها، إلا ان تزامنها مع الحديث عن توسيع صلاحيات "مينورسو" لتشمل مراقبة وضعية حقوق الانسان في المنطقة قد يفسر أن الهدف منها كان سيكون استطلاعيا للوقوف عن كثب على الوضع في المنطقة من قبل المبعوث الأممي نفسه.
مؤشر غير إيجابي
وحتى قبل أن تنفذ هذه الزيارة صدر التقرير الدوري الذي يعده الأمين العام للأمم المتحدة حول الصحراء، وحمل هذا التقرير، لأول مرة في تاريخ النزاع، انتقادا مباشرا للسلطات المغربية فيما يتعلق بعلاقاتها مع "مينورسو"، وهو ما اعتبره المغرب مؤشرا غير إيجابي يسبق زيارة كريستوفر روس للمنطقة.
التقط المغرب بعض العبارات التي وردت في التقرير الأممي لاتهام كريستوفر بـ "التحيز" واعلن سحب ثقته منه، والبقية تعرفونها...هجوم شرس على المبعوث الأممي من قبل المغرب، لكن لأول مرة في تاريخ الصراع يتمسك الامين العام للأمم المتحدة بمبعوثه الخاص ويجدد ثقته فيه. فما الذي تغير وجعل الامين العام للأمم المتحدة يتمسك بمبعوثه الخاص عكس ما حصل مع المبعوثين السابقين: بيكر وفالسوم؟
الفرق يكمن في أن بيكر هو من استقال من منصبه طوعا، وفالسوم اختار كما صرح هو بنفسه التضحية بمصداقيته عندما عبر عن رأيه وبالتالي فهو من سعى إلى وضع نهاية لمهمته. أما طلب سحب الثقة من كريستوفر فجاءت من أحد أطراف النزاع هو المغرب، وحتى الآن ما زالت العواصم المؤثرة في القرار الدولي تتحفظ على قرار سحب الثقة من المبعوث الأممي. ولم تعلن أي دولة من الدول العظمى حتى الآن عن موقف واضح ورسمي من قرار المغرب. فالعثماني لم يفلح في انتزاع موقف واضح من الإدارة الأمريكية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، فيما أكد السفير الأمريكي في الجزائر هينري إس إيشنر لوكالة الأنباء الجزائرية أن واشنطن ما زالت تدعم كريستوفر روس. وحتى موقف الخارجية الفرنسية، الداعمة الرئيسية لمبادرة المغرب، فقد جاء موقفها ملتبسا عندما دعت في بيانها إلى "تسوية سريعة للخلاف" بين المغرب وكريستوفر روس!
فأين يكمن المشكل؟ يبدو أن المغرب تسرع في سحب ثقته من كريستوفر روس متهما إياه بالانحياز، وبات عليه أن يثبت ذلك. وبالنسبة للمغرب فإن مطالبة كريستوفر روس توسيع مهمة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان تعتبر انحيازا للطرف الآخر بما أن هذا مطلب جبهة البوليساريو. وهذا صحيح. لكن رفض مثل هذا الطلب يضع المغرب في موقف حرج. أولا، لأن أغلب بعثات الأمم المتحدة في العالم تراقب وضعية حقوق الانسان في اماكن اشتغالها. وثانيا، لأن هذا الرفض يجعل المغرب وكأنه يتستر على وضعية سيئة لحقوق الانسان في المنطقة، وفي ذلك تناقض حتى مع خطاب المغرب الرسمي الذي بنى إصلاحاته وصورته الخارجية على كونه دولة تحترم فيها حقوق الانسان!
أما اتهام كريستوفر روس بتجاوز مهامه من خلال تدخله في صياغة تقرير الأمين العام للأمم المتحدة الذي يقدمه أمام مجلس الأمن، فهذا اتهام من لايعرف مهام المبعوث الأممي، لأن صفة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة تجعله الرئيس الفعلي لبعثة الأمم المتحدة في الصحراء (مينورسو)، وبالتالي فمن حقه الإشراف على التقارير التي تنجزها هذه البعثة قبل رفعها إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتقديمها إلى مجلس الأمن.
العودة إلى المربع الأول
اليوم هناك أمر واقع وضع المغرب مجددا نفسه أمامه عندما قرر سحب ثقته من المبعوث الأممي، وبما ان قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالقضية تنص على وجوب أن يكون أي حل سياسي للنزاع يحظى بموافقة أطراف النزاع فقد يصعب على الأمين العام للأمم المتحدة فرض مبعوثه الخاص على طرف أعلن سحب ثقته منه. وهو ما سيعيد القضية من جديد إلى المربع الأول.
لقد صرح سعد الدين العثماني أمام البرلمان بأن قرار المغرب سحب ثقته من كريستوفر "يهدف إلى الدفع في اتجاه مراجعة شاملة لمسار ملف الصحراء وعملية التفاوض" مضيفا أنه "جاء أيضا نتيجة عملية تقييم شامل وموضوعي للملف". ألم يكن إذن حريا بالمغرب أن يطالب بالمراجعة الشاملة لمسار المفاوضات وتقييم شامل للملف من داخل قاعة المفاوضات بدلا من أن يقلب الطاولة؟ سؤال يترك الكثير من نقط الاستفهام معلقة في الهواء حول التدبير الأحادي وغير الديمقراطي وأحيانا المزاجي لقضية يعتبرها المغاربة قضيتهم الوطنية الأولى!
لا يكفي قلب الطاولة على كريستوفر وتعبئة الحكومة والبرلمان، وتجيش الأحزاب والجمعيات وشحن الإعلام ضده ليقال بان المغرب حقق انتصارا !
نجاحات صغيرة
طيلة 21 سنة من اللاحرب واللاسلم، و15 سنة من المفاوضات المباشرة لم يحرز الطرفان إلا نجاحات صغيرة مثل الحفاظ وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح أسرى الحرب، لكن ما هو أهم لم يتحقق وهو بناء الثقة فيما بينهما لأن كل طرف منهما مازال يتشبث بعقلية المنتصر الذي لا يقبل المساومة، ويريد أن يحوز على كل شيء. وهو ما يتناقض مع روح وفلسفة التفاوض التي تفترض أن يتقدم كل طرف بخطوة إلى الأمام إلى أن يلتقيا في الوسط. بينما يتمسك كلا طرفي النزاع في هذا الصراع بأوتاد خيمتهما التي لا يستفيد من ظلهما سوى مجموعة من الانتهازيين في كلا الجانبين، في حين يعاني اللاجئون المنسيون في مخيمات تندوف والأغلبية الصامتة من الفقراء المقهورين في ربوع الصحراء.
لقد خلص جيمس بيكر الذي قاد أطول تجربة وساطة لمبعوث أممي في قضية الصحراء، دامت سبع سنوات، إلى الكتابة في مذكراته: "الأمم المتحدة لن تحل أبدا مشكل الصحراء الغربية ما لم تطالب هذا الطرف أو ذلك أو كليهما معا بالقيام تطوعا بأمور هما لا يريدان القيام بها". وهو مايعني صراحة إدراج القضية تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة الذي تعتبر قراراته إلزامية. وفي عام 2003 كاد مجلس الأمن أن يدرج القضية تحت هذا البند كما تدفع بذلك البوليساريو والجزائر، وضغطت فرنسا بقوة لتجنيب وقوع الكارثة!
ما العمل؟
هذا السؤال الثوري الذي طرحه لينين قبل نحو قرن من الزمان، يعيد طرح نفسه اليوم على الدبلوماسية المغربية. فماذا تعني المراجعة الشاملة لمسار ملف الصحراء ولعملية التفاوض، كما طالب بذلك العثماني؟ الخيارات هنا محدودة تتمثل إما في الانسحاب من المفاوضات كما سبق أن طالبت بذلك بعض الأحزاب، وفي هذه الحالة يجب تحمل تبعات وانعكاسات هذا الانسحاب سواء على المستوى الدبلوماسي أو على مستوى تطورات الوضع على أرض الواقع. وإما الاستمرار في المفاوضات بصيغة اخرى وتحت إشراف مبعوث جديد، ولن يغير ذلك من الأمر الواقع لأن كلا طرفي النزاع سيعود للتشبث بمواقفه كما ظل يفعل ذلك منذ 15 سنة!
فرص ضائعة
لقد اتيحت للمغرب عدة فرص تاريخية لإنهاء المشكل لكنه ظل يضيعها الواحدة تلو الأخرى. الفرصة الأولى تمثلت في خطة بيكر التي فتحت الباب لجميع السكان القاطنين في الأقاليم المتنازع عليها للمشاركة في استفتاء تقرير المصير. والفرصة الثانية كانت عندما طرحت لأول مرة مبادرة "الحكم الذاتي"، ولم يبادر المغرب إلى تنفيذها على أرض الواقع في تواز مع مسلسل التفاوض، لإثبات مصداقية طرحه ولخلق واقع جديد في الأقاليم لصالح السكان، المعنيون أولا وأخيرا بالمشكل والمغيبون أولا وأخيرا عن حله، يجعلهم يؤمنون به ويدافعون عنه.
ومن خلال تأمل أسباب ترك هذه الفرص تضيع، يبدو أن الموقف الرسمي المغربي يسعى دائما إلى ربح الوقت دون ان يفكر في كيفة استثمار ذلك الوقت. بدأ ذلك مع قرار قبول استفتاء تقرير المصير، عندما تم تبديد 20 سنة من الوقت الضائع (من 1981 تاريخ قبول المغرب الاستفتاء في قمة نيروبي، حتى 2001 تاريخ طرح المغرب فكرة التسوية السياسية في لقاء بون بألمانيا). وتكرر مع طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي عام 2007، واليوم وبعد مرور خمس سنوات من الوقت الضائع يطالب العثماني بمراجعة شاملة للملف ولمسار التفاوض!
لايعني هذا أن الطرف الآخر لايتحمل مسؤوليته في تبديد الوقت. فالوقت أصبح هو الخصم الثالث على طاولة المفاوضات الذي يأكل من رصيد كل الأطراف. فبعد مرور أكثر من 37 سنة، لم تنجح البوليساريو في خلق قاعدة مناصرين لها خارج مخيمات تندوف، باستثناء بعض النشطاء الفاعلين في الأقاليم الصحراوية. كما أن المغرب بكل امكاناته ورغم سيطرته على الحياة الإدارية والسياسية والاقتصادية في الأقاليم الصحراوية ما زال عاجزا حتى عن انتخاب مجلس يمثل الصحراويين يثق في ولائهم له.
الديمقراطية هي مربط الجمل
إن الحل النهائي للقضية لا يمكن أن يكون إلا حلا ديمقراطيا. ولعل أحد نقاط قوة موقف البوليساريو ومن ورائها الجزائر هو استنادهما على مبدا تقرير المصير كحق من حقوق الشعوب التي تقرها المواثيق الدولية. ومادام المغرب لم يحل مشكل الديمقراطية الداخلية فلن يحل مشكل الصحراء. وأحد العراقيل الأساسية التي حالت دون أن يحقق مقترح "الحكم الذاتي" الاختراق الذي كان يجب أن يحدثه هو غياب الديمقراطية الداخلية. وهو ما يطرح مرة أخرى مسألة الإرادة السياسية. فلو افترضنا ان البوليساريو قبلت غذا بمقترح المغرب كما هو عليه، مع العلم أن طرحه للتفاوض يعني قابلية تعديله من قبل الطرف الآخر، سيجد النظام في المغرب نفسه أمام اختبار صدق إرادته السياسية داخليا وخارجيا. أما فكرة تنزيل"الحكم ذاتي" في ظل نظام مركزي مثل النظام المغربي، إن صدقت هذه الفكرة، فالتجارب التاريخية المعاصرة أثبتت فشلها، ونموذج التجربة اليوغسلافية يبدو الأقرب تاريخيا إلى الأذهان.
ومرة اخرى يبقى الحل في الدمقطرة، دمقرطة الدولة أولا ودمقرطة المجتمع ثانيا، والقرار في كلا الحالتين مرتبط بمدى وجود إرادة سياسية حقيقية وصادقة هنا وهناك. وهنا مربط الجمل.
anouzla.ali@gmail.com

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review