6‏/1‏/2013

مرافئ الرمل أم مرافئ الخطأ؟


اسلامه الناجم
كان حريا بوزيرة الثقافة خديجة حمدي - وهي شخصية عامة حتى قبل أن تصبح وزيرة للثقافة لفترتين متتاليتين - أن توقع كتاباتها باسم مستعار حتى تتخفف الكتابة من ثقل الاسم والوظيفة ولكي تتمكن  الكاتبة من البوح والغوص في تفاصيل تسمح بها الكتابة وتمنعها أو تقيدها  المكانة.
أقول هذا الكلام بعد أن قرأت بتمعن أو هكذا ازعم مجموعتها القصصية " مرافئ الرمل " في طبعتها الثانية، وهي طبعة جاءت مليئة بالأخطاء المطبعية وبعض الإملائية، وهي  طبعة أيضا لم تبرر للقارئ موجبها ! من البديهي أن الدافع نفاذ الأولى، ولكن كيف نفذت ؟ كم عدد نسخها ؟ وهل  نفذت بيعا أم مجانا إهداء وتوزيعا وغيره ؟.
هذا من حيث الشكل  أما المضمون فان ما ذهب إليه الأستاذ والروائي الجزائري واسيني الأعرج في تقديمه للمجموعة أن بعض القصص سقطة في الخطاب السياسي المباشر هو صحيح تماما لكن مجاملته – للوزيرة و- الصديقة العزيزة-  والوصف له وليس لي، منعته من سحب هذا النقد على كامل المجموعة، ففي مقدمة طويلة نوعا ما شغلت سبع صفحات وهي أطول من كل قصص المجموعة فرادى صاغ الأستاذ واسيني  و بلغة جميلة ورشيقة، سهلة وممتنعة قراءته ل "مرافئ الرمل"  وقد افتتحها بالتساؤل حول كيفية الكتابة عن صديقة عزيزة ؟ وهو أمر لاشك صعب فتأثير الصداقة قد يضخم الذاتي ويبعد الموضوعي، لاسيما وقد  أصبحت هذه الصديقة وزيرة وحرم رئيس دولة  . 
غير أن الأستاذ بخبرته وتجاربه التفت إلى هاجس التحرر والشوق إلى العدل المسيطران على  المجموعة ، أكثر من القيمة الأدبية لها ، والتي لا يستطيع تجاهلها إلى النهاية فأوقعته المجاملة في سقطة لا تليق به وهو يحاول تبرير انتقال خديجة من الشعر  إلى القصة حين رد ذلك إلى هشاشة الشعر  وعدم قدرته على التعبير عن وضع يزداد تعقيدا وبالتالي لم يعد قادرا على توصيف الحال ، وهذا استنتاج لا ادري كيف توصل إليه الأستاذ  وأمامه وأمامنا جميعا محمود درويش  وكيف استطاع شعره أن يلم بالموضوع الفلسطيني ويصفه على أفضل حال بلغة وبلاغة لا تجارى أوصلته العالمية  إلى حد صار أكثر  إزعاجا لإسرائيل ومضايقة من الكثير من المتصدرين للمشهد الفلسطيني ساسة ومقاومين . سقطة  الأعرج في التبرير والتقديم تذكرنا بسقطات لكتاب عرب مرموقين دبجوا المقالات في مديح مجموعة قصصية للعقيد الراحل تحمل عنوان القرية القرية ...الأرض الأرض ...وانتحار رائد الفضاء، التي اعتبروها فتح الفتوح في الأدب، مبدين حسرة على خسارة الأدب العربي والعالمي أديبا أريبا ، لكنهم وجدوا لأنفسهم عزاء بان ربحته السياسة التي هي في اشد الحاجة إليه لاستتباب السلم والامن في العالم بفضل حنكته وحكمته.
عندما أقول كان حريا بخديجة حمدي أن لا توقع قصصها باسمها ، ذلك لان الاسم المستعار يحمل عنها تبعات الكثير من المواقف والآراء في حين هي نفسها الآن مكانا ووظيفة من يحمل هذه التبعات .
فحينما تكتب خديجة "بندقية مكممة بسلام زائف " فمن سنحاسب على هذا الزيف ومن يتحمل مسؤوليته؟ أو "فجبهات القتال لم تجد والوقفات السلمية لم تجد و الإضرابات عن الطعام لم تجد فأي أسلوب إذن ينفع مع هؤلاء الأنذال" نتساءل هل يوجد يأس وتيئيس  بعد هذا . أو "انه الانتظار الذي أصبح قدرك ...إلى متى ؟" أ إلى هذا الحد خرج زمام المبادرة من يد قيادتنا؟  أو "الذي كمم البنادق لن يكمم القلوب والأفواه"، " الوقفة إنها التحدي الذي أتقنوه منذ ألغيت الحرب " من حقنا أن نعرف من الذي كمم البنادق؟ أو الذي الغى الحرب ، نحن الذين نظن انه جاء استجابة من الجبهة للشرعية الدولية في إطار بحثها عن السلام بوسائل سلمية  أو عندما تكتب "تعالت أصوات النسوة عند صهريج الماء المصبوغ بصدأ السنين"  لا يتعلق الأمر هنا ببلاغة الوصف بقدر ما هو توصيف فاضح لإهمال حكومي فضيع هي جزء  منه  !.
حين توقع خديجة باسمها عليها أن تبرر هذه الكراهية الشديدة للأسبان في أكثر من موضع ضمن مجموعتها القصصية " هم أحزمة من التعب والعلم والجنس والمال " أو " إنهم بلداء لا يفكرون إلا بقدر ما يعيشون للحظتهم " أو  " تكره كارمن تكره الزبائن تكره كل شيء في طوليظو " كما انه عليها أن تبرر تفهمها (الغاندوي) العجيب - نسبة إلى غاندي- للمغاربة عموما وللمستوطنين خاصة بل وحتى للملك فتقول في قصة استشهاد العين  " استدركت كلمة أغادير استدركت التاريخ ليته لم ينقذها  من الزلزال  لا لا مساكين ما ذنبهم"  " هؤلاء المغاربة الأبرياء أكثر شقاء منها ومن أهلها " " لماذا يموت الملك انه ليس شرط  كي تتحرر البلد مالنا وإياه عليه فقط أن يستوعب حقنا " ثم تضيف " يقولون انه ناضج ومتحضر ومحاور صفات لم نلمسها نحن بعد . ربما لم يفهم مطلبنا فالعالم قد تغير والحرب لم تأت بشيء" عمر  ملك  المغرب من عمر صراعنا مع مملكته  يزيد عنه قليلا ومع  ذلك لا تجد حرجا في أن  تقول " ربما لم يفهم مطلبنا" وتقول عن المستوطنين في قصة الوقفة " يمكنهم البقاء هنا  ما ذنبهم سيعشون بسلام معنا وسنقتسم معهم كل شيء " من أعطاها حق هذا القرار الخطير؟ الأخطر من كل هذا عندما  تسلم بالمسوغ التاريخي الذي يحاجج به المغرب في كل مكان حين تقول عن ألوان العلم الوطني " تستفز التوسع المعشش في رؤوس النائمين على حلم الإمبراطورية القديمة " أية إمبراطورية تعنين يا سيدتي ؟ فليس في التاريخ وجود لها هي فقط في وهم علال الفاسي وشرذمته .  يوجد العديد من هذه الأمثلة في ثنايا المجموعة لقصصية.
لا أجد عذرا لخديجة في كراهية الاسبان وتفهم المغاربة ! فما فعله الاحتلال المغاربي خلال ثلاثة عقود يفوق ما فعله الاسباني خلال 100 سنة. ثم إن الإسبان كشعب ربما يحاولون التكفير عن خطيئة دولتهم من خلال مجتمعهم المدني وهيئاتهم الأهلية دعما وتضامنا في حين يجمع الشعب المغربي على دعم القصر في غيه وضلاله و احتلاله لوطننا حتى الآن.
من أصل 19 قصة هي كل قصص المجموعة توجد ثماني قصص مؤرخة  محصورة بين مارس 1999  إلى فبراير 2009   ويمكن إضافة سبع أخريات لا يحملن تواريخ لكنهن يتحدثن عن ذات الفترة  ليصبح العدد 15 قصة ، لم تخصص الكاتبة الوزيرة ولو قصة يتيمة عن الفساد الذي استشرى في الدولة والجبهة والذي لا يقل خطرا عن الاحتلال، ولا يقل شراسة عن الظروف الطبيعية القاسية التي يواجهها اللاجئون كل يوم ، بل حملت هؤلاء اللاجئين مسؤولية انقلاب المفاهيم والأولويات ، فتقول في قصة شهيد في عرس ابنته " تغير وجه الدائرة ، وجوه الناس أحاديثهم .......آراؤهم، يأكلون لحم الشهداء ويصلبون الوطن على طلحة حرقها الفحامون" وتقول في قصة طوطشا " لم تعد تلك الوجوه المصلوبة على قدر المنفى تحركها أغنية (الثورة زينة وأنا يا اللالي) أشكال بشرية جديدة اغلبها مغلف بأكثر من رداء ولثام " مضيفة في نفس القصة " ،"أمنياتهن تختلف وقد تختلف أحلامهن أيضا ربما لا تتجاوز جواز سفر وتأشيرة " من أوصلهن إلى هذا القاع أليس النظام الذي أنت جزء أساسي منه وفيه؟.
لم تحمل خديجة  الفساد ولا  الاستبداد ولا صراع القيادة على المناصب  الوهمية (وفكايعهم  وخيانتهم) ولا تعاطيهم القبلي من اجل مصالحهم  الذي بات يهدد نسيج المجتمع ووحدته! لم تحمل كل هذه الجرائم تبعات ما تعانيه القضية من انحراف خطير وتأثيرها على معنويات الشعب وصموده ، بل نسبت وبكل بساطة إلى الشعب أكل لحم الشهداء وصلب الوطن.
ماذا فعلت خديجة ...الوزيرة والنائبة البرلمانية والسيدة الأولى القوية النافذة في صناعة القرار، للأرامل و الثكالى واليتامى أكثر من أن جعلتهن موضوعات أو تيمات – حسب تعبير- الأستاذ الجزائري  لقصصها التي لا ترتفع قيمتها الأدبية  ومستواها الفني عن ما ينشره الهواة في الجرائد كل يوم، والتي لولا المحاباة  والاسم الذي تتعمد إبرازه بشكل لافت على الغلاف لما نشرت حرفا واحدا.  

2 التعليقات:

لا جف قلمك . ولا انمحت ذاكرتك ولاخمل تفكيرك . نقد ادبي محترم وقراءة دقيقة . لاشلت يمناك .

بسم الله الرحمن الرحيم
بارك الله فيك اخي اسلامة الناجم على قولك الحق وجرءتك البناءة .
والجواب هو على السيدة حرم الرئيس ان تتنحى جانبا وتترك السفينة ماضية في الطريق الصحيح.

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review