1‏/6‏/2012

نحو تحديد مفاهيم الواقع


علي بركة
لا أعرف لماذا علينا البحث دائما بين السطور عن المعاني الحقيقية للكلمات، تأسرنا اللغة بجمالياتها ولا تعطينا الوقت الكافي للغوص في دلالاتها, عندما تغمرنا بسيل من المفردات الحاملة لأكثر من معنى، بحيث لا نستطيع بحدسنا الفطري التقاط كل شيء، فاللغة أداة لتجميل المواقف وشكل من أشكال التزييف للمشاعر والأحاسيس التي نلتف من خلالها على كل شيء.
عندما نقول إشتقت لك ما الذي تحمله هذه العبارة من دلالة عاطفية؟ هل حالة الإشتياق نتاج للتفكير الحقيقي بالفرد موضع الحديث؟ أومحاولة لتحميل اللغة ما نحاول إخفاؤه للتسلل عبر الكلمات إلى حدود لا يجوز لنا تخطيها بشكل مباشر. أم هي محاولة للإستنجاد بمفردات لغوية لخلق حالة من الإهتمام الوهمي بالذات التي تقابلنا؟ نقوم بكل ذلك بدافع التكيف مع الواقع أو تكييف الواقع لما نرغب أن يكون عليه دون الأخذ بالإعتبار بأن التكيف الذاتي مع إحداثيات الواقع مرتبط بمركز الضبط الذي يحكم سلوكنا والنتائج والتوقعات التي نضعها من جريان الفكرة في محيط الواقع المتخيل وملائمة ذلك مع الواقع المعاش في محاولة إرادوية لتغير معطيات اللحظة الراهنة والمستقبل القريب مع ما تصبو إليه الأنا المتشكلة في سياق حالة الرفض للموروث السائد الذي يعمل على تخليد الماضي في سياق الحاضر من خلال تغليفه بشعارات ترتبط بالحداثة شكلا وتتفارق معها في المضمون نتاج حالة الإرتكاز لمنظومة فكرية ترفض الآخر في سياق عملها على تأكيد الذات المتجسدة بالقدرة الكلية على معرفة الحقيقة نتاج المطلق الذي صاغ الواقع وحدد المفاهيم والقيم التي تساهم في تخليد البعد النضالي في علاقتنا مع الآخر.
نعم ما زلت أحاول التلاعب بالمفردات على أمل أن أتمكن من الخروج من الخط البياني الذي شكل منظومة الأفكار التي ما زالت تحكم الواقع ويحتكم اليها الأفراد في معالجتهم لإشكالياته، أعتقد بإمكانية الوصول لهذه الغاية إذا تم إعمال العقل في نقد الواقع من خلال الإشتباك مع الواقع المتشكل على قاعدة النفي الديالكتيكي لمكوناته .
هل هنالك صعوبة في إنجاز هذا المشروع إذا جاز لنا إعتبار النشاط الذاتي مشروعا عاما ينطلق من أن الواقع يخلق إشكالياته ويخلق حلولها معها بحيث لا يمكننا تخطي حلول الواقع إلا إذا أردنا العمل على إيجاد حيز إفتراضي نعمل به على تحقيق شطحات فكرية طوبوية في محاولة للهروب من الحيز العام الموضوعي المحدد لإمكانيات التغير بكل ما يحمله من صعوبات وإستحقاقات فردية وجماعية. 
يمكننا وضع عدة سيناريوهات للبدء بعملية التغيير :-
السيناريو الأول 
العمل على تحديد المرامي والأهداف الحقيقية لإستخدام المفاهيم والمصطلحات والمفردات اللغوية لضمان وضوح المقاصد والغايات من إستخدامها، فلا يعقل أن يتم الحديث عن الحرية والعمل على إستعباد الناس، أوالمطالبة بي مؤتمر للشباب  كمدخل لإنهائها ومصادرتها من قبل من يطالب بالإحتكام لها وبها في معالجة تحديات الواقع , علينا عدم التنكر لأفكارنا في سياق عملنا على تجسيدها, وهذا يخرجنا عن التفكير الباطني ويدخلنا الى التفكير الثوري , ألم يكن لينين واضحا ومباشرا عندما طرح دكتاتورية البروليتاريا كأداه لتحقيق الإشتراكية, لم يتلاعب بالمفردات تحدث عن دكتاتورية الأغلبية................. وشباب يائس من دكتاتورية الأقلية التي تعمل على إستعباد الأغلبية بفعل إمتلاكها لوسائل السيطرة السياسية والقبلية كأداة  , وكان واضحا بإنتهاج العنف الرجعي  للرد على العنف الثوري  الذي يعمل على اصلاح التغيرات الإجتماعية والسياسية 
السيناريو الثاني 
إنتاج مفاهيم جديدة تكون نتاج طبيعي للتطور القائم بالمجتمع , والإبتعاد عن المقولات التي أعتبرت المواطن الصحراوي  في التعامل مع الواقع لما شكلته من إطار نظري لا يعبر بالضرورة عن نضج الواقع , ولعل تجربة ماوتسي تونغ من التجارب التي حاولت إعادة إنتاج المفاهيم إرتباطا بتطورات وإحتياجات الواقع المعاش ولتحقيق هذه الغاية قام بالثورة التي تمثل حالة إنغتاق مع علاقة التبعية الفكرية للمدرسة السوفيتية التي إنحرفت عن المنهج المادي في معالجة الأوضاع .
السيناريو الثالث 
عدم تحديد دلالات واضحة للمفاهيم والمصطلحات تمهيدا لإخضاع الواقع  ول إجتهادات شباب الثورة الطرق المختلفة الذين يعملون على توظيف النص في خدمة مصالح الطبقة السائدة في سياق قد يصل إلى إزاحة رموز النضام الفاسد في عملية إحلال طبقي يقوم بالأساس على إستبدال الفاسدين حفاظا على المكتسبات المتحققه من إحتكار وسائل الإنتاج وما يترتب على ذلك من هيمنة  على قاعدة" دعه يمتلك دعه يضطهد "
لا يمكن التنبؤ أي من هذه السيناريوهات سيشكل عنوانا للمرحلة القادمة للعديد من الأسباب أهمها:-
1- عدم الحسم النهائي للأوضاع فما زالت محاولات الثورة المضادة للإنقضاض على مكتسبات الثورة نشطة وحالة التراجع التي قامت بها القوى المنهاهضة للتغيرفي ليبيا وتونس مناورة تكتيكية تهدف إلى إعادة صياغة التحالفات على الصعيد الداخلي والإقليمي من أجل حشد كل القطاعات الطفيلية في عملية أسترداد إمتيازات الماض القريب .
2- حالة النهوض التي تشهدها التيارات القومية  والتي غيب دورها خلال الثلاث عقود الماضية سيعكس نفسه على التوازنات السياسية الداخلية والخارجية . ستبارك دول الممانعة الخيارات القومية لكنها لن تستطيع تقديم الدعم الازم لإنجاز التغيرات نتاج حالة الإشغال بالقضايا الداخلية بعد الهجمة الشرسة التي تعرضت لها ليبيا وما رافقها من تدمير للدولة وللنسيج الإجتماعي والسياسي الذي كان سائدا بكل إشكالياته ,حيث تم تقسيم ليبيا بين القبائل والمجموعات المسلحة التي تحكم ليبيا بقوة السلاح المنتشر في كل البلاد ,والمحاولات المتواصلة لإغراق المنطقة وإبادة مكتسبات الثورة  بحرب الارهاب بهدف تقسيمها إلى كيانات و ترهيبهم كما حصل في جنوب  السودان .
 - لا حول لها ولا قوة سوى التسليم بتطور وتفوق الرجل الأبيض الذي يغذي المسلحين بالسلاح والمال ويدربهم بهدف ضرب الثورة من الداخل.
3- قوى الاسلام السياسي هي الأكثر تنظيما في هذه اللحظة السياسية المفصلية و الحرجة ,من الواضح أنها منفتحة على أي تحالف للوصول إلى توافق السياسي تمهيدا لأسلمة الثورة على قاعدة درء مفسدة خير من جلب منفعة في أول توظيف للنص الاجتماعي .
في هذه المرحلة يمكن لكل السيناريوهات التأثير على حركة الواقع على قاعدة وحدة وصراع الأضداد التي تتطلب بالنهاية الحسم بطرق لن تخلوا من العنف نتاج عن صراع الصحراء الغربية حامل ا لتغيرات التاريخية الجذرية . 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review