25‏/6‏/2012

عندما تلد الجرائد نوقا و ..


محمد لحسن 
لقد شكلت ظاهرة استغلال المؤسسة وتحوير دورها ليتأقلم مع مصالح القائم عليها القاعدة وليست الاستثناء في ظل هذا الواقع الغني عن التعريف أو التعليق. وعلى غرار الكثير من المؤسسات التي تحور دورها من خدمة الصالح العام الى خدمة مصالح خاصة كان لبعض وسائل الاعلام نصيبها هي الاخرى .
ولأنها لا تمتلك ما تتاجر به لتحقيق تلك المصالح الضيقة للقائمين عليها، إلا التطبيل والتهليل والدعاية لأولياء النعمة فقد احترفتها صنعة، وانشغلت عن هموم الوطن والمواطن بتفاصيل الصورة تارة واقف، وتارة جالس، تارة مبتسم، وتارة حازم (ولي النعمة طبعا) وانهمكت عن قضايا الوطن الحقيقية بنقل اخبار القيادة وتغطية زيارتهم بالخط العريض، هذه العناوين والصور مأخوذة بتراتبية وقحة لأولياء النعمة، الذي يعلوه سلطة يكثره اخبارا وصورا .
بهذه الطريقة فقدت قرائها من المواطنين لأنها ببساطة لا تكتب لهم وتعبر عنهم بل تكتب للقيادة والقيادة فقط، هذا لا يعني انها صحف نخبوية تكتب لنخبة ما، تشترك معها فلسفة معينة، وتخاطبها من منظور فكري محدد، او تكتب لقيادة تحاول ارشادها الى الطريق الصواب وتصحيح اخطائها بل للأسف تكتب للذين يستلذون رؤية صورهم وأسمائهم مكتوبة بالبند العريض، هكذا تحولت في نظر جمهور المواطنين القراء الى مجرد صحف لزجاج السيارات لأنها لا تعبر عن همومهم وانشغالاتهم  ولا تحمل وصوره وأسمائهم وبالتالي لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد ولا توجد فيها من فائدة إلا صلاحيتها لغسل الزجاج. .
وسأكتفي هنا بنموذجين لهذا النوع من الاعلام الذي استعمل من طرف القائمين عليه كجسر للوصول الى السلطة ومن ثم المال ضاربين عرض الحائط كل المعايير الإعلامية والأخلاقية تاركين المواطن لمصيره، اما الوطن بالنسبة اليهم فقد اختصره شخص المسؤول أو القائد او القيادة او سميه ما شئت، النموذج الاول:
الجريدة التي اوصلها مديرها الى الحضيض الى مجرد ورق لزجاج السيارات في احسن الأحوال، في حين أوصلته هي الى منصب وزير وبسرعة اكبر الى مستثمر في الابل ومالك لحمر النعم.
أما الثاني فهو صاحب المجلة التي اوصلته هو الآخر الى منصب قائد ناحية ومالك للعقارات في تندوف المجاورة، وهي التي لا تختلف عن الجريدة السالفة الذكر إلا في كون ورقها لا يصلح لغسل الزجاج.
وصل هذا النوع من اشباه الاعلاميين الى هذا المستوى لأنه على ما يبدو عمل بنصيحة الشاعر العربي الكبير نزار قباني في قصيدته (أبو جَهْل.. يشتري فليتْ ستريت ) التي يقول فيها:
16
على الذي يريدُ أن يفوزَ
في رئاسة التحريرْ....
عليهِ .. أن يَبُوسَ
في الصباحِ ، والمساءِ
رُكْبَةَ الأميرْ.. ..
عليه.. ان يمشي على أربعةٍ
كي يركب الأمير!!..
لا يبحث الحاكم في بلادنا
عن مبدع..
وانما يبحث عن اجير
(....)
24
لا ترفع الصوتَ.. فأنتَ آمِنْ .
ولا تناقش أبداً مسدساً..
او حاكماً فرداً..
فأنت آمِنْ..
وكن بلا لونٍ، ولا طَعْمٍ، ولا رائحةٍ..
وكن بلا رأيٍ..
ولا قضيةٍ كبرى..
واكتبْ عن الطقسِ،
وعن حبوب منع الحملِ - إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجنْ..
بهذه الكيفية التي اعطاها الشاعر نزار قباني من الالفاظ والصور ما يغنيها عن اي توصيف اخر، وصل أشباه الإعلاميين الى مناصبهم الحالية في الوقت الذي فرض فيه على اعلاميين مقتدرين شرفاء الموت سريريا في لحمادة بين جدران الطين أو البحث في ديار الغربة عن لقمة عيش كريمة لا تقايض اقلامهم وأرائهم، وهي الطريقة نفسها التي تم بها وأد عناوين اعلامية كانت ستشكل الاساس لإعلام وطني هادف، كجريدة الاستفتاء على سبيل المثال لا الحصر.
قد يصل البعض الى اعلى المناصب التى لم يكن يحلم بها، عن طريق التملق والتطبيل، والتهليل، لكن هذا لا يخدم قضية ولا يحرر وطنا، ولا يبني مجتمعا ولا يصنع مستقبلا بل يؤسس لثقافة التزلف والخضوع والخنوع  التي ما فتئ الشعب الصحراوي يحاربها مع الجهل والضعف والاحتلال. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review