19‏/5‏/2012

إصلاح الصورة بإفساد الذات


تقيو محمد ايدة
لماذا لا تكون لنا ديمقراطية الغرب .. تطلعات المشرق وثراء الخليج ، يتساءل مثقف أنهكه الانتظار كما قال ففتح الباب على مصراعيه أمام التمني، ربما انه تأثر بذلك المقعر الهوائي الذي تطلب اقتناؤه سنوات و اقتطع تثبيته ساعات واستيعابه شهورا، او ربما أن صاحبنا اكتسب ثقافته هاته من إحدى جامعات جمهورية افلاطون ،لانني سمعته ايضا يتساءل هل نحن دولة قابلة للإصلاح ام اننا مجرد حركة تحررية ستختفي عوالم رموزها لحظة حصولنا على الاستقلال إن كان في عمر القضية بقية ...
لماذا كلما أجرينا مقارنة الدول نجدنا لاشرقية ولا غربية يتساءل صاحبنا . هل من العدل ان نقحم ثورتنا التحررية في غياهب مقارنات ومواصفات الأنظمة العجوزة التي تمشيخت عن اسم الدولة فضلا عن الثورة او الحركة ؟ لماذا نطبق مقاسات مستوردة تجعل من ثورتنا إما دولة لم تبلغ سن الرشد وإما ثورة تجاوزت الحدود.
قرأت لكاتب صحراوي يبدو انه من القلة الذين تنبهوا الى أن مشروعية ازدواج الدولة والحركة حسب مقتضيات العصر أمر مباح سياسيا . يدافع الكاتب عن وجهي الثورة الصحراوية في تحليل مطول تحت عنوان- لا تناقض بين الدولة والحركة- يبرر أو يشرح الظروف التي جعلت البوليساريو تتعامل أحيانا كدولة و أحيانا كحركة ثورية . واعتقد بأن هذه الازدواجية كانت نتيجة الظروف السياسية التي ولدت فيها الثورة الصحراوية ، وبصورة اقرب تتعامل كدولة في جوانب الدولة الحديثة و متطلبات وجودها ثم استمرارها كالتعليم والصحة و الخدمات . ومع الدول التي تعترف بها سياسيا . في حين تبقى حركة سياسية تمثل الشعب في جوانب الثورة ومقتضيات التحرر و الدفاع عن الحق . و إيصال الكلمة الى منابر العالم بإسم الجبهة المعترف بها كممثل وحيد للشعب الصحراوي في هيئات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ... وغيرهما، لضمان أن تبقى القضية موجودة في الأجندة وحاضرة في منابر العالم وهيئاته و مقرراته مهما كان اسمها . وهذا ليس غريبا في عهد اختفت فيه الثورات التحررية مثلنا و أصبحت أرشيفا من الماضي الكل مر عليه والكل أيضا تناساه، في عالم برغماتي لا يؤمن إلا بالقوة و التمصلح . أو عنجهية سياسة الاحتلال و الاستحواذ. لتبقى قوة الكبار في الاقتصاد و السياسة تقابل وقود البقاء المتناهي للصغار من العرب و ماشابه في التصفيق و التنازل . 
أما نحن فلسنا أقويا في السياسة والاقتصاد و ليس لدينا بعد ما نتنازل عنه من اجل الاستمرار او البقاء ، فأين المفر يا صديقنا المثقف و أنت أكثر من يعلم بان الحق لم يعد قوة في هذا الزمن. .
ثرواتنا منهوبة وحريتنا مسلوبة . ولم نفهم بعد بان الشرعية التي يتحدث عنها العالم اليوم لا تحق إلا لمن يتربع على بئر نفط . حزمة تنازلات لصالح الغرب . او لمن رطب لسانه من ذكر أمريكا إن سمعا او طاعة. واعتقد بان المغرب قد سبقنا إلى ذلك . فملكهم كما يبسط يده لمقبليها تبسط له أرجل لتقبيلها . لكن لا احد يلومه إذا كان ملكا في العرش وعبدا في السياسة فربما هذه طريقته في البقاء و حقنة الوضع الانجع لبقاء العرش و امتداده . فماذا نرتئى نحن من اجل استقلالنا ؟ فالمقايضة في السياسة لا تعني بالضرورة سلعة مقابل سلعة بل قد تكون سلعة مقابل خدمة . او موقفا مقابل خدمة ... هكذا فهم المغرب كيف يضمن التاييد الغربي ويوظف مواقفه ضد قضيتنا العادلة دون إثبات في نظر الغير . إثبات الحق الذي غفلنا عن تحقيقه دبلوماسيا بحجة الحقيقة التى لارجعه فيها . ومن يضمن . فقد تكون الحقيقة التى لا تقدم فيها أيضا . او كما تثبت سنوات الانتظار العجاف ليصل العد الزمني الى عقدين من الانتظار . انتظار أراد البعض من مثقفي الفضائيات من خلاله أن يحول مبدأ الثورة الى مفهوم دولة بالتقادم - ان صح التعبير- . ظنا منهم بان التقليد يكفل التساوي . وكان من الأحرى إن كنا لابد مقلدين ان نقاوم قرنا وربع في الحرب والثورة كما فعل التحريريون في الجارة الشقيقة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي . ام نفتك العقدة ونقلد تيمور الحديثة في أسلوب نضالها من اجل الاستفتاء . ثم إن كان لابد . نحذو حذو جنوب السودان في حمله الثنائي الشجاع للسلاح وغصن الزيتون معا . 
أما التقليد الذي يستورده شبابنا ومثقفو اللاسلم و اللاحرب بان تكون ثورتنا او حركتنا التحررية مختبرا لتجارب الدمقرطة و التحرر تحت الاستعمار . فهذا ضرب من الخيال لا يرقي الى التطبيق . فقد عجزت عن ذلك الاختبار دول وشعوب مستقلة . 
أخيرا سمعنا أيضا عن أصوات تطالب بالإصلاح . فاختلطت فرحة سماع هذا الشعار الرنان بصدمة فهمه، فيبدو أن المطلوب يتعلق بإصلاحات الدول وليس الثورات . و بهذا ينضم أصحاب تلك الأصوات الى قائمة مثقفي الدولة الجدد الذين يتثورون تحت غطاء السياسة والتفتح . و بالتأكيد اغلبهم لايميز ما بين الاصلاحين في الثورة وفي الدولة . ربما لان اغلبهم درس في دول باسم الجمهورية الصحراوية وهاجر الى دول أخرى باسم البوليساريو الثورة واللجوء ولم يجد تفسيرا للفرق بين الحالتين وكيف ان جواز سفره يختلف حسب الوجهة . اما إصلاح الثورة فله جوانب سياسية بالدرجة الاولي ثم اجتماعية واقتصادية . 
أما السياسية فتعتري أولا الحفاظ على مكتسبات الثورة – وهنا لا اعني المخازن وسيارات الدعم – مكاسب الثورة هي الاعترافات الدبلوماسية الرسمية والصيت الإعلامي للقضية الوطنية وإحياء نقاط القوة للضغط على العدو حتى لايقول دبلوماسي مغربي " إما الحكم الذاتي وإما ضيافة الجزائر الى الابد " . كما انه من مكاسب الثورة أيضا روح القومية تلك التي كانت تشد الجميع الى هدف واحد هو الاستقلال وكنا نقول بالسلم او بالقتال . يجب ان يعود ذلك الشعور الفياض الى قلب كل مواطن صحراوي . لان هذا مكسب ثوري بدونه لايمكننا ان نتحد . 
اما اجتماعيا فاعتقد ان رياح الإصلاح هذه سبقتها عواصف القبلية . ويكفي ظلما أن لا يشعر المرء بالعدل و الإنصاف وهو في وطنه . او في ثورة يتشاطرها كليا مع جميع أبناء جلدته فقيرهم وافقرهم . لان الغنى لانعرفه زمن الثورة . و لانهتم به . وهذا كان مكسبا وقد ضاع ايضا في غياهب دولة المثقفين و دعاة الإصلاح . أصبحت القبيلة والعرش معايير تمييز بين المواطنين و المعيار الأهم في كافة المجالات 
. و التقديم والتاخير وهذا للاسف خلق مناخا سلبيا كان اول وابسط اثمانه تقديم الذات عن القضية . لنصبح مجتمع من "انا" و "انت" كل يغني على ليلاه و المغرب على ليله يغني . اوسياسة " انا" والقضية من بعدي وهذا في حد ذاته مكسب للعدو قبل ان يكون خسارة لنا . 
أما اقتصاديا . رغم اننا في زمن " لوصاك على أمك حقرك" الا ان سياسة البطون بدأت تطغى كما لم تشهدها أي ثورة من قبل . و أصبحت نصيحة المؤمن لأخيه " عدل شي اراسك " بعيدا عن أي طموح في استرجاع الأرض الأم . والحرية المسلوبة . وأمل شهداء وأرامل ويتامى بل وأمل شعب زرع مفخرة وحصد مضصرة . مضصرة تظهر حينا بقناع الإصلاح و أحيانا بقناع التمصلح... و هنا أفضل التشاؤم -على الغرور الذي يعيشه البعض- عندما اقول بان هذا الجيل لم يحمل المشعل و لم يتحمل الأمانة . ولم يقدر المسؤولية إلا في شق مساعدات انسانية. وقتها تثور ثائرة المسؤولية من قريب وبعيد ولم يعد هناك من لايحب البطن عفوا الوطن و ليس هناك من لا يعرف العد إن للنقود او للأكياس وحسابات الربح لزمن طويل بما يكفي لان تقوم ثورة و ثورات . 
هل سيتسابق قطار الدولة مع عربة الثورة في تفعيل الإصلاح؟ . اترك الإجابة الى مثقفنا وامثاله على ان لايغفل في بحر امنياته بأن تحيا ضمائر لتنقذ هذه الثورة . 
رغم ان عجلة الزمن لاتتوقف . وحبر التاريخ لايشطب ماقد كتب إلا ان الامل يبقى قائما في ان نستفيد من خسائر الماضي واخطائه على ان نغلق باب التمنى لنفتح صفحة الارادة الجدية بأن نستعيد مجد الابطال والثوار ومنجزات السلاح التي تظاهر بها القلم . ارادة اوصلتنا الى ثورة تضاهي الدول في زمن ما . والى ان نستعيد دلك المجد الدي ارعب العدو لسنوات حتى رفع الراية البيضاء امام قلة من العدة والعتاد . الى ذلك الحين نذكر مثقفينا بأن ليس القلم من يقول كان ابي سلاحا .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review