4‏/5‏/2012

الإعلام الحر .. والواقع المر


بقلم : ميشان إبراهيم أعلاتي
michat2002@gmail.com
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة ارتأينا إعادة هذا الموضوع للزميل ميشان إبراهيم اعلاتي الذي كتبه في 2008 بمجلة الأمل الصحراوي، الموضوع يتناول واقع الاعلام المستقل في ظل الواقع المعاش بمخيمات اللاجئين الصحراوين ويحاول من خلاله استبيان العراقيل التي تحول دون تقدمه والمحاولة المقصودة للسلطة لوأد هذا الاعلام وهو مازال في مهده ... 
يحتل الاعلام الحروالمستقل موقعا هاما ومتقدما في مسارعملية الاصلاح والتغيير الاجتماعي والسياسي بحكم الأثر الكبير الذي تؤديه " مهنة المتاعب" في تشكيل الرأي العام وبلورته لدرجة وصفها ب " السلطة الرابعة " ويعتمد الصحفي في عمله على مجموعة من الاساليب والاليات لتبيان الحقائق والمعلومات بموضوعية ودقة وتوصيلها للمجتمع المتلقي بعيدا عن التعصب والتحيز لأي جهة أو طرف , مستندا إلى مجموعة من الحقوق الدستورية والقانونية التي تكفلها له المراسيم الدولية كالاتفاقية الدولية لحقوق الانسان .
ويعتبر مبدأ النقد من أهم الاليات التي يعتمد عليها الاعلام المستقل لأن النقد البناء يؤدي إلى رقي وتطور المجتمع  من خلال توضيح الرؤى وتقديم أجوبة للعديد من التساؤلات التي تطرحها الجماهير ومن جهة أخرى يساعد الاعلام المستقل الحكومات  لرؤوية صورتها لدى الرأي العام  وتقديم مواقف الناس من هذه الحكومات وإخطارها بنواقص التسيير وعيوب الادارة وكشف الاخطاء حتى يكون المسؤوليين على بينة من أمرهم لإتخاذ مايروه مناسب من قرارات, لهذا تعتبر جل الدول الديمقراطية هذا الاعلام بمثابة الحارس الذي يسهر على حماية المصلحة العامة  ويدافع عن مصالح الفئات الضعيفة والمستضعفة والمحرومة, يحدث ذلك بحرص شديد من هذه الدول وبمباركة علنية منها إنطلاقا من إدراكها العميق بالمهمة المقدسة والرسالة النبيلة للإعلام المستقل .
الإعلام المستقل عندنا .. حديث ذو شجون ..
الحديث عن الإعلام المستقل عندنا فيه الكثير من المأخذ والتشعبات لأن النظرة الشاملة لهذه التجربة الفتية والتي لازالت في بدايتها هي نظرة غامضة ومبهمة لاسيما مع وجود عدة مواقف متباينة منها فالبعض يعتبرها زائر غير مرغوب فيه والبعض الأخر يعتبرها طير يغرد خارج السرب لأن هذا الإعلام يكون قد رفض ومنذ إنطلاقته السير في ركب المطبلين والمزمرين" الحزارة " والمتأمل للواقع اليوم تتبلور له ملامح المشهد الإعلامي المحقون بثقافة الإقصاء والتهميش والاختزال أي أنه مشهد يعتمد على سياسة التصفية وآلية الغلق والإبعاد الضمني لكل من يقدم وجهة نظر مخالفة لماهو موجود لدى السلطة وإعلامها العمومي , وتتجلى معالم تلك السياسة من خلال بث وتغذية مجموعة من الاتهامات الزائفة والباطلة التي تكال بشكل شبه يومي إلى الإعلام الحر والمستقل , وما يدعو إلى السخرية والتهكم بجد هو سذاجة و تناقض تلك الاتهامات وتباينها أحيانا كونها تتنوع بحسب الخلفية الفكرية والنية المبيتة والمطامع والمطامح الشخصية لمن يقف وراء الترويج لها , ومن تلك التهم على سبيل المثال لا الحصر : *-  يتهموننا على أننا إعلام فوضوي غير مسؤول جاء ليخل بالنظام العام ويزعزع إستقراره  ويفتح الجراح ويزرع البلبلة والفوضى , وأكثر من ذلك إتهمونا بأننا أقلام معارضة للنظام تسعى للإطاحة به وتتأمر على الوطن والقضية الوطنية بتقديمها لمعلومات مجانية للعدو ( هذا الكلام الكبير والخطير جدا جاء على لسان أكثر من قيادي ومسؤول كان أخرهم قائد أحدى النواحي العسكرية في سياق محاضرة ألقاها ضمن أشغال الجامعة الصيفية بالتفاريتي ) .
والحقيقة أن المشكلة والخطر لايكمن في عملنا نحن كإعلام مستقل يسعى لأن يؤدي دوره المنوط منه على أكمل وجه - في ظل واقع متعفن ومر - من خلال كشف التجاوزات وفضح مرتكبيها والدعوة إلى إصلاح المجتمع من خلال ترسيخ ثقافة العقاب والمتابعة ووضع حد للفوضى , بقدر ما يكمن الخلل والخطر الحقيقي في المسؤول الذي كان السبب الرئيسي في تخريب المجتمع والنظام ككل وتشويه القضية الوطنية عن طريق إرتكابه لأفظع التجاوزات وخرق القانون ليقدم لنا مادة إعلامية جاهزة , بالإضافة إلى المسؤوليين الذين يقدمون معلومات وإحصائيات دقيقة في تقارير شبه يومية للعدو لاتضاهي قيمتها ما نكتبه نحن المبتدأين من" خربشات " هذا بغض النظر عن ما قد يكون قدمه المسؤولين الكبار الذين فضلوا الخيانة وبيع الوطن والقضية, والحكم هنا للتاريخ والوطن وللقارئ الكريم .
وهناك تهمة أخرى يطلقها عادة بعض " المتحذلقين "- لاعبينها فاهمين كما يقول الأخوة الجزائريين -  وهي التشكيك في النية الصادقة لهذا الإعلام  أي إتهامنا بأننا نسعى إلى تحقيق مكاسب مادية ومالية , بمعنى تشكيل لوبي ضاغط على السلطة لضمان المستقبل وهذا من خلال الدخول في لعبة شد الحبال بيننا وبين السلطة مما يضطر السلطة والمسؤوليين إلى اللجوء لسياسة الاحتواء المعزز - كما يقول الأستاذ هيكل - للقضاء على هذا اللوبي ونسفه من الوجود , وهذه تهمة مضحكة وساذجة إلى أبعد الحدود لأنها لاتمت للواقع بصلة لا من قريب ولا من بعيد لأننا وببساطة لسنا في مستوى  وطموحات المعارضيين ولا نمتلك من القوة ما يأهلنا لنشكل لوبي ضاغط ضد من يمتلك من القوة والإمكانيات ما يفوق التصور وهم المسؤوليين طبعا ,وهكذا يضيع الحق - صوت الاعلام المستقل المبحوح - بين إتهامات القادة وإتهامات  المتحذلقين وهي إتهامات توزع وتقاس وتكال مجانا دون ما أبسط دليل , والسؤال المطروح : لماذا هذا الخلط المقصود والغير مقصود للدور المنوط بالإعلام الحر والمستقل ؟ من يقف وراء الترويج لهذه التهم الخطيرة والباطلة ؟
الأطروحات المغالطة ... حقائق وخلفيات...
إن هدف من يقف وراء عملية الترويج لهذه الأطروحات" الخيالية " والمغالطة يسعى إلى خدمة مصالحه الشخصية والمحافظة عليها على حساب حق المواطن في المعرفة والاطلاع , من خلال خلق وفرض ما يعرف في لغة الاعلام بالرقابة ( المقص ) والرقابة الذاتية وكلها عوامل من شأنها قتل ثقافة الصحافة الحرة وكذا روح المسؤولية والالتزام والنزاهة أي أن تلك الجهات المجهولة التي تقف وراء الترويج لمثل هذه التهم تريد أن تجعل من الاعلام المستقل " إعلام مفعول به وفيه على الدوام ". وهناك سبب أخر يعد بمثابة المحرك الأساسي للكثير من رواد و ديموات القهر والفساد السياسي عندنا وهي تلك النطرة السوداوية التي تعتبر الاعلام الحر والمستقل عدو لدود يشكل خطر على مكاسب هؤلاء ومكانتهم في إحتلال المسؤوليات , أي إعتباره خطر دائم وداهم يهدد مصالحهم الخاصة لذا يرون أنه من الواجب تحييده من الساحة والقضاء عليه وإن لم يكن ذلك ممكن فيجب إستمالته لإتقاء شره . لذا سعى الكثيرين للعمل على تجريد هذا الاعلام من مصداقيته والتشكيك في نزاهته للحيلولة دون تشكيل جسور الثقة بينه وبين الشعب ولن يتأتى ذلك - من وجهت نظرهم - إلا من خلال تشكيل هالة – هلامية - من التهم الباطلة حول هذا الاعلام ليجد نفسه في أخر المطاف أمام هاجس وحاجز يحول دون إنسياق الشعب المغلوب على أمره وراء هذا الخطاب الإعلامي المستقل .
تصحيح وتوضيح ...
 من الواجب في هذا المقام تقديم صورة شفافة وواضحة عن دور وهدف الاعلام المستقل الذي قالوا بأنه يحمل نظرة ناقدة وتشاؤمية لم تبنى على خصوصيات المجتمع الصحراوي ولا على طبائعه مما يعني في نظرهم " تقدم في غير محله "    أو " لعب صبيان " - كما قال لي أحد المسؤوليين "والغريب أنه خريج جامعي ومثقف !!! - , وواقع الحال أن خطابنا الإعلامي يحمل صورة ممحصة للواقع الصحراوي  وهو خطاب ملصق به ومتفاعل معه ومع مستجداته إلى أبعد الحدود لذا إنطلقنا منذ البداية من همومه ومشاكله فأبصرنا الثوابت وحضينا على التمسك بها وها نحن اليوم نعمل على توضيح الطريق والمسار الذي يجب أن يسلكه كل مسؤول بإستعاب الواقع الحقيقي لا المزيف وبالتعاطي معه لا بالقفز عليه , فكل مجهوداتنا جاءت لتصب في مسار واحد وهو الغيرة على المصلحة الوطنية والصالح العام إذ سعينا منذ البداية ولازلنا نسعى إلى البحث عن السبل الكفيلة بتغيير الواقع المر المعاش ولم نكن في يوم من الأيام نسعى إلى تغيير أو الإطاحة بالحكم أو القيادة كما يعتقد البعض -  بالرغم من تحفظنا الشديد كإعلاميين مستقلين على بعض الوجود التي تسيئ إلى النظام وتشوه صورته بتصرفاتها ألا مسؤولة - , لذا تجدنا في كثير من المقالات نتفق مع المسؤولين والقيادة في بعض الجوانب ونختلف معهم في البعض الأخر - وهذا من حقنا-  غير أن ذلك لايعني أننا نعمل على تشكيل معارضة أو لسان ناطق بإسمها  لأن ذلك ليس هدفنا أبدا ولا من شيمنا , فطموحنا محدود جدا ولايتجاوز حدود المنطق, ومسعانا هو رؤية دولة صحراوية ديمقراطية متينة قائمة بنفسها ولها مكان ووزن محترم بوجود شعب ناضج إجتماعيا وسياسيا يزيد ويدعم رصانة الدولة و يعطي مصداقية لنظام " حكم راشد ", ويتزامن هذا المسعى النبيل الذي نتبناه مع مساعي أخرى لجهات مجهولة تريدنا أن ننساق ككل وراء أطروحات وأكاذيب بالية بإعتماد وتصديق خطاب أجوف يغطي الأخطاء ويتستر على مرتكبيها وفي المقابل يكيل التهم الباطلة بالمجان إلى الاعلام المستقل الذي يرفض تبني الطرح القائل " غطي الشمس بالغربال " . ومادام خطاب الكراهية هذا يعتمد التحريض والتشويه فإنه يشكل مادة تدميرية وأسلوب " نكر", له من التداعيات والتأثيرات السلبية والعواقب الوخيمة التي لاتحمد عقباها, لأنه سيؤدي في أخر المطاف إلى إذكاء نار الفتنة والفوضى والعنف على عكس ما كان يتوقع من يقف وراءه , لاسيما أن مجتمعنا لايزال وإلى غاية اليوم يعتقد في الخرافة ويصدق الإشاعة وتنتشر فيه الدعاية إنتشار النار في الهشيم ويسير خلف الأكاذيب التي طالما قادته في مراحل سابقة إلى حيث يدري وحيث لايدري وتلك مصيبة كبرى-  والمثال هنا أحداث 88 وماخلفته وراءها من تداعيات ـ .
حديث جانبي ...
كنت قبل كتابة هذا الموضوع قد دخلت في نقاش حاد حول الموضوع مع الزميل الناجم لحميد وهو رئيس تحرير مجلة الأمل فقال لي على طريقة الأستاذ فيصل القاسم " سجل عندك " (( ليس من حق أي أحد مهما كان مستوى مسؤوليته بأن يشكك في مدى نزاهة ووطنية أي مثقف يحمل قلمه للتعبير عن رأيه في القيادة والقضية , لأن زمن محاكم التفتيش ومصادرة الرأي والأفكار قد ولى إلى غير رجعة  )) . 
وعموما نقول ونكرر مرة أخرى بأننا ضد تكريس الاعلام الفضفاض الذي يتبنى ثقافة التبرير والتمجيد والإشادة والمدح والتسبيح وندعو إلى تبني الاعلام المستقل والحر الذي  يعتبر منبر ديمقراطي يسعى إلى نشر وترسيخ ثقافة الديمقراطية وعلى رأسها حرية التعبير وكذا خلق حراك سياسي حر من خلال فرض المراقبة والرقابة والمحاسبة وكشف الحقائق ولا شيئ غيرها , والوقوف في وجه الفساد والتجاوزات وإستغلال النفوذ والسلطة وصولا إلى الهدف الرئيسي والأساسي وهو ترشيد القرار السياسي وتحكيمه . ما يعني أننا لانشكل خطر على القضية الوطنية التي ستظل فوق رؤوسنا ما حيينا , ختاما أقول ما قاله الصحفي الأمريكي والتر ليبمان " الصحافة الحرة ليست خطر بل امتياز و ضرورة عضوية في كل مجتمع عظيم " .

1 التعليقات:

الإعلام الحر وحرية المثقف
لعل من أهم ثمرات تطور حقوق الإنسان على مدى التاريخ الحديث، هو انتشار مفهوم حرية التعبير بكافة معانيها الفنية و الأدبية و الشخصية. حيث انتشر ذلك المفهوم في الدول المتحضرة بسرعه كبير، و أصبح حقيقه و جزءا من الأمر الواقع، على الرغم من أنه يمر بمراحل صعبه أحيانا، تمتحن فيها مصداقية تطبيقه في الدول المتحضرة. و لكنه يبقى جزءا من الحياة اليومية للإنسان الذي يعيش في الدول المتحضرة المحترمة لحقوق الإنسان.
إن وظيفة المثقف الحر، النقض، والدحض، وكشف المستور، وفضح الفساد، بكل شجاعة، وصراحة. أما أدعياء الثقافة، الذين يحاربون المثقف، فيما يقول من حقائق، ويكشف من مستور، ويدحض الكذب، ومحاولة تغطية العورات السياسية والأخلاقية بشتى طرق، ويفضح الفساد والسرقات، التي تتم من قبل أعلى المستويات، وبمسميات مختلفة، وينقض الجاري، والمتعارف، والمتفق عليه، والمسكوت عنه. فهذا ليس مثقفاً، وليس حراً. بل هو عبد لمن استعبده بالمال،
إن لم يكن المثقف الحر ناتج تاريخي، فسيكون – بالتالي - خارج التاريخ!
والمجتمعات التي تطرد مثقفيها منها بحجة خروجهم عليها، وتمردهم، ورفضهم لقيمها القديمة البالية، تضع نفسها في قفص الاتهام.
فالمثقفون الأحرار هم نتاج وصُنع هذه المجتمعات.
المثقفون الأحرار، لم يهبطوا على هذه المجتمعات من السماء.
ولم يأتوا من كوكب آخر.
إنهم أبناء هذه الأرض. ولكنهم شهداء هذه الأرض، وليسوا عبيداً فيها.
وفي هذا يقول سارتر:
"إن المثقف، هو الشاهد على المجتمعات الممزقة، التي تنتجه، لأنه يستبطن تمزقها، وهو بالتالي ناتج تاريخي." (ص 34).
الإعلام الصحراوي المستقل الذي يبحث عن ذاته وسط واقع صعب يبدو فيه هامش الحرية اشبه بخروج عن نص القاعدة التي رسمها النظام بان تكون هي المحدد الرئيس لمفهوم الإعلام الوطني.
ان الإعلام الحر، حجر الزاوية في بناء النظام الديمقراطي، في أي بلد يريد شعبه الانتقال من مرحلة الاستبداد والديكتاتورية والنظام الشمولي إلى مرحلة بناء المؤسسات الديمقراطية وتثبيت مبدأ التداول السلمي للسلطة،إعلام حر لا يخضع لسياسات مرسومة من قبل الأنظمة التي تموله،
في عصر العولمة الكونية، والثورة المعلوماتية الهائلة، والإعلام الجديد بكل أدواته ووسائطه، لم يعد بالإمكان إخفاء أو حجب أو منع أي شيء، لا سبيل إلى ذلك على الإطلاق. فحرية الصحافة، بل الإعلام عموماً، لابد أن يكون هو العنوان الأبرز لهذه المرحلة الاستثنائية التي نمر بها، ويمر بها العالم بأسره. إذا كنا نُريد للصحافة أن تؤثر ايجابياً في المجتمعات، وتُحدث التغييرات والإصلاحات التي نطمح لها، وتُسهم في دفع عجلة التنمية الشاملة، فإن ذلك يحدث حينما تكون الصحافة توجيهاً وتقويماً نزيهة وشفافة ومستقلة.

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review