17‏/7‏/2012

بين يدي الفزاعة

حمادي البشير
الزمن يدور، يسحق بثوانيه وساعاته كل ما يأتي في طريقه، لايرحم ولا يميز وليس لديه لمحة من ذاته (الزمن) ليمهل من تفاجأ، يقذف بك وبخططك وبرامجك وحساباتك الى المجهول، كل ذلك يبتلعه القدر وينتهي عند نقطة يحددها القدر. وبالطبيعة البشرية لايعتبر الامر تحديا ان تواجه الزمن كل بما أوتي، وبالطبيعة ايضا كل حسب إمكانياته ولكن التحدي هو أن تواجه الزمن عندما يضعك تحت تصرف فزاعة، ويكتب عليك القدر أن تنتظر الفزاعة لتوجه حياتك وترتب امورك وتبين لك الصالح من الطالح.
لاتخطئ التفكير حينها فلن تنجو من الملامة إن لم تفكر، وإن لم تتكلم وإن لم تفعل. لن يجد الامر ـ كونك في حضرة فزاعة ـ في إبعادك عن محاولة أداء واجبك ووظائفك كونه لا يعدو إجبارك على خوض إختبار يستفز حواسك وقدراتك البدنية والنفسية وإرغامك على إستحضار القوى الغيبية لو وجدت الى ذلك سبيلا او اللجوء الى رياضة اليوغا إن أمكنك ذلك.
قد ينتابك إحساس ضئيل بالارتياح عندما يصلك الاشعار بأنك ستنضم الى فريق كبير ممن يعملون مع الفزاعة لأن الفزاعة لاتتكلم ولاتملك من القوة الا شكلها الذي تحركه الريح ليخيف الطيور والمخلوقات المتربصة بالحقل، ولكن سرعان ما تتفاجأ ويتحول إحساسك بالراحة الى قلق مرعب وخوف لا يستهان به لأن الفزاعة التي تتحكم في مصيرك وعملك وبالتالي حياتك يمكنها ان تنطق، ويكفيك رعبا ان تنتظر ما سيتدفق من فم الفزاعة، ستهشمك التساؤلات وانت تنظر الى شفاه الفزاعة وهي تقذف بالاوامر والنواهي والنصائح والتوجيهات وستجهد نفسك لتفرز وتغربل "التسونامي" الهائل من الكلمات المتماوجة من بين اسنان مصنوعة من القش وربما (الغش) لتحاول التعرف على ما يجب ان تعتد به وما يجب ان تهمله، ما يجب ان تتبعه او تتفاداه، وما يمكن ان تهتدي به او تتركه.
ربما تؤنس نفسك بانك لست الوحيد الموكل امره وحياته الى فزاعة، وانه هناك الكثيرون غيرك، البعض منهم قضى سنوات عديدة يتعامل مع الفزاعة، واصبح خبيرا في ايماءاتها وهمهماتها وحركات يديها الخشبيتين، البعض الاخر سبقك الى ميدان الفزع بسنوات، وانه لن يضيرك اللحاق بهم وانك لن تكون الاخير وستجد الفرصة يوما ما لأن تعين الجدد من الملتحقين على التكيف مع الامر في حال وفقت في تفهم الامر او على الاقل إبتلاعه أما هضمه فسيكون عسيرا باليقين. ولكن عندما تقودك خطواتك الى السرداب الذي تديره الفزاعة يتبين لك ان القوم قدماء ومخضرمين ومستجدين من مثل حالتك قد نزلت عليهم الطير، شئ ما يربكهم ويقيد ايديهم ويجمد السنتهم رغم القراءة الواضحة للتذمر والشكوى في نظراتهم. حينها لم يعد امامك خيار ويغلق امامك ما كان مفتوحا من ابواب ونوافذ وعليك ان تطاطئ رأسك اسؤة بالمجربين، وتفرغ عينيك من معنى النظرات وتخوي دماغك من شحنة الافكار وتسكب القوة من عضلاتك وتتحول الى شبه فزاعة مادام من يقف الى جانبك قد اصبح شبه فزاعة ومن يقف امام اشباه الفزاعات فزاعة.
ولكن لا تنسى ان الزمن يدور، عليك وعلى غيرك ....... وعلى الفزاعة، لا تنسى ان عاصفة الزمن تدمرك وتطحنك في دورة من دوراتها، وانها في دورات اخرى تسحق الاخرين وتطحنهم، وبالعودة الى الطبيعة تختلف القدرة على المقاومة، قد تنفي عواصف الدهر البعض من الوجود بشكل نهائي، وتدمر حياة البعض بشكل شبه شامل وتعصف بالبقية بشكل نسبي. ولاتنسى أنها ايضا ستدمر الفزاعة وتطحنها والفزاعة رغم انها تتكلم إلا أنها ضعيفة جدا على مقاومة ريح الزمن.
إذا عليك ان لا تقلق إذا ما جاءك بريدك الصباحي بخبر مفاده أنك اصبحت شبه فزاعة، ليكن إيمانك قويا وتشبث بقضيتك، لاتتعب نفسك بالاتصال بالجهات الامنية والسياسية والانسانية لتعبر عن احتجاجك فذلك سيكون تعبا وهدرا للزمن، لأنه هناك خلل في منظومة الحواس لدى الفزاعة. ولا تتعجل الندم واللطم والتذمر القاتل لأن البريد لا يتشابه، والبريد الاتي سيحمل لك خبر لا احد يدري مافيه، ولا تخف فستكون الفزاعة حينها عاجزة عن تغيير محتواه ولا حتى مجراه لأن للزمن كلمته، وسيناديك في لفة من لفاته ليمنحك الفرصة لأن تفكر، تتكلم، وتفعل.

1 التعليقات:

بالتأكيد أنت تفكر، وتفكر كثيرا وتلك نعمة من المولى.
وانت تكتب، وتكتب منذ سنوات ولكنك -وكثيرون من ذوي المواهب وحملة الشهادات- تكتب في ميتافيزيقا الادب بعيدا عن واقع المجتمع(الذي هو سياسي بالدرجة الاولى).
والأن انت تكتب (تتكلم) بالرموز-وإن كانت مفهومة لدى القلة(مثقفين،اشباه مثقفين)-فنرجوا أن لاتمتد مرحلة الكتابة بالرموز لسنوات، ولتصل لمرحلة الكتابة بوضوح(الكلام بصراحة).

بالافكار النيرة والسديدة ثم الاراء الصريحة والشجاعة سنرجح كفة فسطاط المدافعين عن المصلحة العليا للشعب والقضيةعلى كفة فسطاط المنتفعين من واقع مر ومرفوض لايخدم القضية.


إرسال تعليق

 
electronic cigarette review