18‏/9‏/2012

الممثل الخاص والمبعوث الشخصي للأمين العام .. ما الفرق بينهما؟


الممثل الخاص والمبعوث الشخصي للأمين العام .. ما الفرق بينهما، وكيف تصرفوا في ملف الصحراء الغربية (I) 

السيد حمدي يحظيه 

في بداية الأمر، حين تمت الموافقة على خطة التسوية، وتأسيس المينورصو والمصادقة عليها من طرف مجلس الأمن سنة 1991م -على ما أظن- لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية لم تكون هناك، بالمطلق- يمكن الرجوع لنص المخطط- مهمة أسمها المبعوث الشخصي للامين العام، وما ورد في بنود المخطط حرفيا كان يدور، فقط وفقط ، حول مهمة الممثل الخاص الذي أصبحنا نحن نسميه بالعامية رئيس البعثة( المينورصو)، ومهمته كما في النص، هي النيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة على الأرض ومساعدته.
في سنة 1997م ابتدع كوفي عنان، الأمين العام السابق، منصب المبعوث الشخصي وفصل عمله عن عمل الممثل الخاص.. إن وجود المبعوث الشخصي و الممثل الخاص أخلط الأوراق والمفاهيم عندنا وعند المغرب وحتى عند الأمم المتحدة. فالأمم المتحدة، في بعض أدبياتها، أحيانا تريد أن تعني الممثل الخاص فتقول الممثل الشخصي أو العكس، ونحن نفعل ذلك أيضا ويفعله المغرب، رغم أن هناك فرق بين المهمتين. وحتى نقرب أنفسنا ولو في عجالة من الفرق بين المهمتين( مهمة الممثل الخاص ومهمة المبعوث الشخصي) يجب أن نقول أن مهمة الممثل الخاص هي الأصلية، وهي التي وردت في نص مقترح التسوية أو مخطط السلام لسنة 1988م، أما مهمة المبعوث الشخصي فهي بدعة لكوفي عنان. إن إحداث مهمة المبعوث الشخصي من طرف كوفي عنان سنة 1997م كان يروم فصل ما هو سياسي عن ما هو تقني؛ بجملة بسيطة أراد عنان أن يكلف شخصا بما هو تقني( الممثل الخاص)، ويكلف شخصا أخر( المبعوث الشخصي) بالأساسي: ما هو سياسي؛ لب المشكلة. 
لكن، من جهة أخرى، غطى وجود المبعوث الشخصي على مهمة الممثل الخاص، وأصبح هذا الأخير يقوم ببعض الأعمال التقنية البسيطة التي لا تحتاج إلى قرار سياسي رفيع المستوى. 
سياسة واحد معانا وواحد معاهم: صدفة أم مقصودة؟ 
وإذا كانت الأمم المتحدة ومجلس أمنها قد كانوا –لازالوا- يتشاورون فيما بينهم حول كل صغيرة وكبيرة، حتى لو كانت نقطة أو فاصلة، في ما كان الأمناء العامون يطبخون بخصوص قضية الصحراء الغربية إلا أن الذي اكتشفناه فيما بعد هو أن هناك سياسة صامتة منتهجة أو – سبحان الله- سياسة محض الصدفة تقتضي أن يأتي ممثل خاص\ مبعوث شخصي ليدافع عن الحق( يقف إلى جانب الشعب الصحراوي) ويعقبه أخر يقف مع المغرب( الاحتلال) أو العكس. 
فلائحة الأشخاص الذين تعاقبوا على ملف الصحراء الغربية، سواء كانوا ممثلين خاصين أو مبعوثين شخصيين، كانوا دائما يقعون في مصيدة "واحد معانا ( مع الصحراويين) وواحد معاهم ( مع المحتل المغربي)". 
فإذا استثنينا غروس اسبيال الذي كان أول ممثل خاص، وأنصرف قبل بداية تطبيق مخطط السلام نجد أن كل الذين أتوا بعده قد وقعوا في مصيدة الوقوف مع طرف من الأطراف. فجوهانس مانس، وهو دبلوماسي سويسري محنك، الذي تكلف سنة 1991م\ 1992م بمهمة الممثل الخاص، أراد، وبصرامة، أن يتم تطبيق المخطط حرفيا، بالنقطة والفاصلة وبالنصبة والرفعة، وطبقا للأجندة التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي دون لف ولا مراوغة. لكن الرياح كانت أقوى من شراعه الأزرق فسارت عكس ما أراد هو وما أراد الصحراويون والواقفون في صفهم: أكتشف جوهانس مانس أن الأمين العام آنذاك، ديكويار، كان يراوغ ويشطط في تحريف المخطط عن نصه، وهو الأمر الذي لم يبتلعه جوهانس مانس فثار في وجه ديكويار وقدم استقالته. حين استقال أو "حوله" بلده إلى مهمة أخرى أكتشفنا أنه كان يعمل لصالح الحق وتطبيق النص الحرفي للمخطط، وأنه لم يقبل الرشوة ولا الخيانة. استقالة ( تحويل ) جوهانس مانس جعل المغرب يحتفل منتصرا ويقول أن الرجل كان " متواطئا" معنا نحن الصحراويين. 
بعد جوهانس مانس، جاء ممثل خاص آخر، باكستاني، اسمه يحمل الكثير من التشاؤم: يعقوب خان. هذا الأخير، لم يخفِ عن الصحراويين أبدا تعاونه الواضح الفاضح مع المغرب؛ أكثر من ذلك كان يتعالى على الصحراويين ويرفض اللقاء معهم، ويفضل أن يلتقي مع الجزائريين، بل أنه في بعض الأحيان كان يراسل الجزائريين بدل الصحراويين على أساس أنهم "هم الطرف" الذي يجب أن يتم التفاوض معه. حين لم يستطيع المشي فوق الماء استقال بعد الكثير من فضائح الرشوة والتسريب والتقصير في العمل. في الحقيقة كان معاهم. جاء بعد يعقوب خان، السفير جينسن، إرلندي أو استكوتنلندي أو من جهنم، ليكون ممثلا خاصا و رئيسا للمينورصو بالنيابة أو شيء من هذا القبيل( في الحقيقة لم تكن مهمته واضحة، ولم نعرف إن كان يعمل كممثل خاص أو ممثل خاص بالنيابة). جينسن هذا أكتشف بدهاء الثعلب الذي يتقن أن الأطراف تتجاذبه، وكل طرف يريد أن يكسب وده ورضاه ليعمل لصالحه. في واقع الأمر كان جينسن يقاتل طواحين الهواء أو يناور مع المستحيل: التوفيق بين طرفين متناقضين في كل شيء. ومن خلال تعامله "اللبق" آنذاك ومحاولة سيره على حد السكين كان كل طرف يظن أنه يستطيع إن يستميله بسهولة. في الميدان لم يستطيع جينسين زحزحة أية صخرة من مكانها ما عدا بداية عملية تحديد الهوية كما أرادتها السلطات المغربية. لكن حتى إذا كان فعل ذلك تماشيا مع أجندة المغرب إلا أنه، على الأرض، من جهة أخرى، لم يكن قادرا حتى على رفع علم الأمم المتحدة في العيون، ولم يكن قادرا على الخروج من مقره إلا بأمر من المخزن. حين لم يستطيع فعل أي شيء تمت تنحيته، وركن إلى الصمت إلى أن استخرجه المغرب من الرماد المبلل مؤخرا ليستعمله كورقة صفراء للترويج أن البوليساريو كانت، أثناء رئاسته هو للبعثة، "تتفاوض سريا ومستعدة لقبول الحكم الذاتي". إن انصراف جينسن من البعثة وضعفه وقلة ما بيده جعل الصحراويين، خاصة بعد تصريحاه الأخيرة وكتاباته، يصفونه بأنه كان يعمل مع المغرب. 
إن ضعف جينسن على الأرض، وخفضه لجناح الذل مع المغرب جعل الصحراويين يقلبون الطاولة والكرسي على الأمم المتحدة، ويطبلون منها أن تُعيين ممثلا قويا من بلد قادر على فرض التزاماته. استجاب كوفي عنان لطلب الصحراويين وإلحاحهم، فأنشأ، بذكاء، مهمة المبعوث الشخصي، وكلف بها صخرة من أكبر جبل في العالم: جيمس بيكر الأمريكي. في الواقع استبشر الصحراويون خيرا ببيكر، وتوقعوا كلهم ( التعميم مقصود)، أن بيكر لن يفشل في مهمته. أول عمل نجح فيه بيكر كان: أخذَ المغرب من أنفه وجره بالقوة وأجلسه وجها لوجه مع جبهة البوليساريو طاولة واحدة وبجدية للتفاوض وليس للغذاء. زادت شعبية بيكر، وبدأت عملية تحديد الهوية على الأرض بصرامة، لكن حين انتهت العملية، وظهر أن نتيجتها تسير لصالح الاستقلال، اختفى بيكر، وفضَّل أن يعمل مع الحملة الرئاسية لجورج بوش الأبن الموالي للمغرب. إن تراخي بيكر وكسله وعدم إلحاحه على المغرب للذهاب إلى الاستفتاء راجع بالدرجة الأولى إلى أن بوش الأبن، المرشح للرئاسة، لم يكن يريد تنظيم استفتاء تكون نتيجته استقلال الصحراء الغربية. 
إن عدم تطبيق الاستفتاء في وقته، مثلما كان يأمل الصحراويون، كان هو أول فشل لبيكر في مهمة من هذا النوع، وظهر بوضوح أن هناك قوة قوية أو قوى مجتمعة أرادت أن تعبث بالعملية ككل إرضاء للمغرب من أجل مآرب أخرى. فبالإضافة إلى تأثير بوش وحزبه والشركات البترولية كانت هناك فرنسا وكوفي عنان وأطراف أخرى تعرقل، مجتمعة، ضغط وقوة بيكر.. إن ضغط هذه القوى مجتمعة خرب بوصلة بيكر، وفُرض عليه، مكرها، أن يقترح مخططا للحكم الذاتي سماه " مخطط الاتفاق الإطار". لكن المخطط المذكور تعرض لسخرية كبيرة من طرف الصحراويين الذين كانوا على مرمى حجر من الاستقلال، ورفضوا حتى استلام نسخته فما بالك بمناقشته أو قبوله. إن رفض مخطط "الاتفاق الإطار" من طرف الصحراويين، وعدم ارتكازه على أرض صلبة في قانون الأمم المتحدة، جعل بيكر يحتار أكثر ويدخل في ورطة حقيقية. وحتى ينقذ سمعته قادته فراسته، في الأخير، إلى ابتداع ما سماه لاحقا: "خطة لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية"، أو "مخطط بيكر الثاني"، وهو خطة تحاول أن تدمج بين الماء والنار: الحكم الذاتي والاستفتاء؛ أي أن يكون هناك حكم ذاتي لمدة خمس سنوات على أن يُتبع بتنظيم استفتاء يشارك في المستوطنون. ورغم أن البوليساريو غامرت وقبلتها، إلا أن المغرب، من حسن الحظ، رفضها. إن رفض المغرب لخطة بيكر الثانية، جعل هذا الأخير يهدد ويتوعد بمحاولة فرضها على الأرض، وهو الأمر الذي دفع بالدبلوماسية المغربية إلى اللجوء إلى جورج بوش الأبن، رئيس أمريكا، تطلب منه أن يريحها من ضغط بيكر. فعلا، طلب بوش من بيكر أن يستقيل ويترك الملف في يد هب ودب. خروج بيكر مهزوما خلص المغرب من صخرة كبيرة كانت مكلكلة على صدره. لقد فرح المغرب كثيرا بذهاب بيكر، وبدأ حتى يشمت بكل ممثل خاص سيأتي بعده قائلا له: ماذا تستطيع أن تفعل أنت مما لم يفعله بيكر.؟ 
حين اختفى بيكر في ضباب أمريكته أصبح المغرب يتجرأ ويفتح فمه قائلا أن بيكر كان يعمل لصالح الصحرويين، رغم أن التعبير غير دقيق تماما. 
جاء بعد بيكر، فان ويلسوم، من هولندا، وهو شخص مرتبك غير معروف دوليا وبلا إنجازات دبلوماسية، وأكثر من ذلك ليست لديه،البتة، معلومات عن قضية الصحراء التي جاء إليها لاهثا وراء المال. لم يعرف واسلوم أين هو رأس خيط الكبة، وبدأ يلف في دائرة بلا مخرج. حين تعب قرر أن "يكون معاهم( مع المغرب) ويرمي المنشفة، ويصرح تصريحه القاتل ذلك( الاستقلال غير واقعي) الذي كان بمثابة رصاصة الجبان: يطلقها ويهرب.
جاء بعده كريستوفر روس، أمريكي آخر، ورغم أنه إلى حد الآن لازال يدور ويلف في متاهة المفاوضات غير المباشرة وغير المثمرة إلا أن المغرب أشعل النار فوق رأسه وسحب منه الثقة بحجة أنه يعمل " معانا"، نحن الصحراويين. 
وإذا رفض المغرب روس بحجة أن يعمل لصالح اصحراويين فهل ننتظر إن يكون المبعوث الشخصي القادم معاهم (مع المغرب). 
المقال القادم إن شاءالله: لماذا سحب المغرب الثقة من رووس(II)؟ 
sidhamdi@yahoo.es 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review