5‏/11‏/2012

خدعنا مظهره: روس، رجل فحل

السيد حمدي يحظيه
إلى حد الآن - نقولها بتحفظ- أخطأ الكثير منا في روس؛ بعبارة أخرى خدعنا، حقيقة، مظهر روس وهدوئه( المظاهر تخدع في الكثير من الأحيان). ف"روس" الهادئ جدا، جدا الذي يتكلم مبتسما دائما كأنما لا يقوم بمهمة كبيرة اسمها التوسط في قضية الصحراء الغربية والتي أعيت الكثيرين قبله ومن بينهم بيكر، القوي، " المبلوغ" والمتكبر، ليس مثلما توحي بذلك سحنته وصورته وهدوئه. عندما شاهدنا - أو شاهد الكثير منا حتى لا نبالغ- روس وسمعناه يتكلم ويصرح بهدوئه الطبيعي العفوي أول مرة، ظننا أنه يمزح في قضية لا تقبل المزاح، وأنه لن يغير حجرا من مكانه، وأنه سيظل يجري ويكسب حتى يتعب ويخرج من الساحة. وزاد شكنا حين بدأ روس ما سماه هو مسلسل المفاوضات غير المباشرة والتي سميناها نحن، من جهتنا، العبثية ومفاوضات تضييع الوقت وتضييع ضربات الجزاء.
وحين كنا نتابع بسخرية مبالغ فيها ما يقوم به روس من مفاوضات لا فائدة منها لفت انتباهنا أن المغرب بدأ يمتعض من روس وينتقده، ثم فجأة، وبدون أن نعرف السبب تحديدا، سمعنا أن المغرب قرر سحب الثقة من روس. كلنا ظننا أن روس سيجمع أشياءه وأوراقه ويرحل؛ فالمغرب المدجج بالتعنت لا يُقدم على خطوة، ولو صغيرة، في سياسته الخارجية إلا  بعد " أكشن" من فرنسا، وفي أحيان كثيرة من أمريكا، وبعد " أكشن" من كل الشياطين في العالم.
إن سحب المغرب للثقة من روس جعلنا ننتبه للرجل الذي ظننا، في الوهلة الأولى، أنه متسامح، وأنه ولن يدخل في صراع لا مع الشياطين ولا مع الملائكة. الموقف المغربي جعلنا أيضا نتوقف عن السخرية من روس ونراجع أحكامنا المتسرعة. ذات الموقف جعلنا نصل إلى استنتاج وهو أن روس، ليس كما ظننا( متسامح، هادئ)، وأنه دخل في تطاحن خفي حقيقي مع المغرب، تطاحن كواليس، تطاحن كسر عظم حول شيء جوهري لن يخرج، في أقصى الاحتمالات، عن خارطة ما يلي: ربما يكون روس رَفَضَ أي نقاش حول الحكم الذاتي وتمَسكَ بتقرير المصير أو، وهذا احتمال وارد، أراد حشد الدعم الدولي لإحياء خطة بيكر الثانية التي تجمع بين الحكم الذاتي وتقرير المصير، وفي الأخير لا يجب إن نستبعد من أذهاننا أن روس مهتم كثيرا بفكرة الصحراويين وهي توسيع صلاحيات المينورصو لتشمل مراقبة الإقليم ووضع حقوق الإنسان المداسة هناك من طرف الآلة المغربية.
وليس فقط عرفنا أن روس دخل معركة لي ذراع ولي مَرفَقْ " بولسو" مع العدو المغربي ولكن استنتجنا أن روس رفض الرشوة ومحاباة المغرب له. فالعادة في المغرب أنه لا يتم التعارك مع أي أحد إلا بعد أن يرفض الرشوة.  
وإذا كنا نحن قد ظننا، عند أول وهلة، إن روس متساهل، فالمغرب ربما ظن أكثر منا أنه رجل هش، وأنه جمل من قش ومن السهل وضع " لخزامة" في أنفه وتوجيهه. إن عدم قدرة المغرب على ابتلاع روس بالماء وبدونه، وعدم قدرته على عجنه، جعله( المغرب) يلجأ إلى الفكرة الأخيرة : النرفزة والدخول في صراع مفتوح على كل الجبهات معه. الصراع بين المغرب وروس انتهى بسحب الثقة من هذا الأخيرة وسحبْ البساط والحصيرة من تحته أيضا ومحاولة جره خارج الحلبة وإشعال النار فوق رأسه. لكن سحب الثقة ذلك، وبدل أن يجعل روس يخرج مطاطئ الرأس، خافض النظر، حافي القدمين جعله يبقى في منصبه مثل مسمار حجا. أبعد من ذلك كله جعله يبادر إلى الهجوم ويتخطى الخطوط الحمراء والصفراء التي يرسم المغرب : ينظم زيارة إلى المنطقة بنفسه؛ يجبر الملك الذي سحب منه الثقة على استقباله شخصيا؛ يذهب إلى العيون المحتلة ويلتقي- وهذا يحدث لاول مرة- بالنشطاء الصحراويين؛ يستمع إلى فعاليات المجتمع المدني الصحراوي ثم يزور المناطق المحتلة والمناطق المحررة.
من خلال الزيارة يبدو أن روس صفى كل أنواع الحساب مع المغرب بما في ذلك الضرب، الطرح، القسمة، الزائد، وأنه أذكى كثيرا من المحتل المغربي. لقد ندم المغرب كثيرا وبدأ يجرح وجهه ويقطع عروقه وينتف شعره غضبا على القرار غير المحسوب بسحب الثقة من روس. إن فشل محاولة تحييد روس جعلت السقف يهوى على من تحته: زاد التذمر داخل المغرب من الخطوة، وبدأت حكومة بن كيران تتهم القصر دون ذكر اسم الملك، وبدأت الصحافة المغربية المعروفة بقلة أخلاقها وقلة حيائها تعض ذنبها مثل أفعى مجروحة، وتحولت المملكة كلها إلى بيت تعمه الفوضى.
لم يجنِ المغرب من صراعه مع روس أي نتيجة ولو علفة صغيرة. زادت سمعة روس في العالم؛ جعلت زيارته العالم يلتفت إلى الصحراويين الذي خرجوا يتظاهرون في المدن المحتلة؛ أكثر من ذلك هناك أصوات في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بدأت تفكر عاليا تطالب بالتحقيق فيما يحدث في الإقليم الصحراوي المحتل وتتحدث عن عدم شرعية احتلاله.
النتيجة أن روس – إلى حد الآن- رجل، فحل، عنيد وانه ذكي. رجل لإنه لم يستسلم ولم يقبل الرشوة المادية والسياسية، وعنيد لإنه لم يترك الساحة ويرفع العلم الأبيض، وذكي لإنه حوَّل هزيمته وسحب الثقة منه إلى انتصار له بالدرجة الأولى، وأعطى للشعب الصحراوي اليائس من المفاوضات الممضوغة والممصوصة بعض الأمل بأنه وقف إلى جانبه. وحتى إذا لم يغير ما قام به روس شيئا مما يحدث على الأرض، وهذا مستبعد جدا في ظل الحماقة المغربية، فإنه، على الأقل، وهذا أضعف الأيمان، قد دعم بقوة حجة الصحراويين في اللجوء إلى كل الوسائل المتاحة للوصول إلى استقلالهم.
sidhamdi@yahoo.es

1 التعليقات:

سنرى ايهم اقوئ ٠ السياسة كالبحر من لايعرفها تغرقه

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review