21‏/11‏/2012

ما لا يقوله نظام المخزن..

مصطفى صالحي قرر نظام المحزن في المغرب، توسيع حربه على الجارة الجزائر، من خلال تحريك كل أذرعه الإعلامية والدبلوماسية، وارتأى أن يستنجد هذه المرة بفضائية "ميدي1" الدولية، في محاولة لرفع الشبهة عن نواياه السيئة، فاتحا النار على كل ما هو جزائري، محملا إياه كل مآسي ومشاكل المغرب شعبا وسلطة، إلى حد بلوغ ممارسة الوصاية على الجزائريين في كل مجالات النشاط، وسرد مغالطات في مناورة لإقناع الرأي العام، والرد على مواقف الجزائر الواضحة من حفر ونتوءات العلاقات الثنائية، وآخرها مسألة ما يسمى بالمهجرين المغربيين من الجزائر، حيث وضعت الخارجية النقاط على الحروف وكشفت المزايدة واللعب على ذقون المواطنين المغاربة برمي المسؤولية على الجارة الجزائر.
ضيوف "ملف للنقاش" أطلقوا النار على الجارة الجزائر وفي كل الاتجاهات، الاقتصاد، السياسة، الحدود، الصحراء الغربية، كريستوفر روس، الاتحاد المغاربي، الساحل، ونظام الحكم في الجزائر، الديمقراطية، الربيع العربي، لم يترك لا شاردة ولا واردة، حتى أنه حاول التمييز بين إرادة الشعب وقرارات السلطة في الجزائر في أمهات القضايا المطروحة، وكأن الجزائر تعيش في غابة متوحشة أو في كوكب آخر لا تطل عليه الشمس، ورعاية أمير المؤمنين وبركته، متناسين أن جغرافيا الجزائر هي في الجوار وتبقى كذلك، وفي قلب المغرب العربي وفي شمال أفريقيا والاتحاد الأفريقي والاتحاد المتوسطي وباقي المحافل الدولية، ورأيها رأي مسموع وقوي حيثما كانت.
ويبدو أن زبانية نظام المخزن وتجاره تجاهلوا أن الجزائر وسياستها ودبلوماسيتها ومواقفها، مؤسسة على قيم ومبادئ ثورة عظيمة رواها دم الشعب، حررت القارة الأفريقية، بما فيها الجارة المغرب، وتونس، لأن وهج الثورة ورغبة فرنسا في الإبقاء على الجزائر لأهميتها الجيوسياسية، دفع بجهابذة الإمبراطورية الفرنسية إلى تفضيلها والتضحية بباقي الدول، في حين تبقى مرجعية نظام الحكم في المغرب، القصر الملكي بجده وهواه، بنضجه ومزاجه، وانقياده وراء كذبة كبيرة اسمها "المغرب الكبير"، كان أول ضحاياها الشعب الصحراوي، وزرع قنابل وقلاقل لدول الجوار، وخاصة الجزائر وموريتانيا.
ونفضل أن نعود في هذه العجالة إلى المحاور الكبرى للحصة، أو ما اعتقد منظروها أن تكون قنبلة إعلامية ودبلوماسية، غير أنها لم تكن سوى "محيرقة" نظرا لغرقها في مغالطات كبيرة لا يستوعبها عاقل.
ففي مسألة الحدود، حاك الحضور الذين تم انتقاؤهم بدقة، كما جرى انتقاء الفضائية، مغالطات مفضوحة لتبرئة ذمة المغرب، فإن غلق الحدود في 1994 جاء ردا على قرار الرباط الانفرادي والمزاجي بفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين دون التنسيق مع الجهات الوصية في الجارة والأخت، والعضو في الاتحاد المغاربي الجزائر، لا لشيء سوى لأن فندقا في مراكش تعرض لعمل إرهابي، اتهم فيه جزائريون بالضلوع فيه قبل انهاء التحريات، في حين ظلت الجزائر فاتحة معابرها رغم الأسلحة التي كانت تمر في اتجاه الجماعات الإرهابية، وما قضية بلعيرج إلا عينة وحسب، وتحويل الأراضي الجزائرية إلى سوق لمنتوجات مزارع الحشيش بالمغرب، يقابلها استنزاف الاقتصاد الوطني من خلال تنقل ألاف السياح الجزائريين وتهريب المواد الغذائية المدعمة وعلى رأسها الوقود، حيث تكون المداخيل متباينة تصب في خدمة المغرب.
أما قضية الصحراء الغربية، فإنها قضية مبرمجة في لجنة تصفية الاستعمار الأممية منذ 1964، حيث كانت الجزائر دولة وليدة لا حول لها ولا قوة، وكانت الصحراء الغربية تحت وصاية الاستعمار الأسباني، وثبت الموقف بعد احتلال المغرب لها في 1975 بإرسال بعثة أممية لتقرير مصير الشعب الصحراوي، ولكن الأطماع التوسعية المفضوحة التي عبّر عنها نظام المخزن في 1963 حين حاول اقتطاع جزء من الجغرافيا الجزائرية، مستغلا قدراتها العسكرية المنهكة، و مؤسساتها السياسية المهلهلة، ورفض الرباط استقلال موريتانيا بدعوى أنها جزء من خارطة "المغرب الكبير"، وذهبت إلى حد قطع علاقاتها مع تونس ردا على اعتراف بورڤيبة، بالدولة الموريتانية، فضلا عن موافقته على اقتسام الأراضي الصحراوية مع نواقشط تحت نفس الاعتبارات، وكأن المغرب لا يضحي بأي جهد ويترقب تتويج نضالات الشعوب ليقفز هو على الثمرة. وهي وقائع فرضت على الجزائر اتخاذ موقف واضح وحذر لصد أطماع المغرب، والتي مازالت تتظاهر من حين لآخر، في أشكال متعددة ولكن هيهات.. هيهات.
وما لا يختلف فيه اثنان، هو أن مطالبة المغرب بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية، مخالف لمنطق التفاوض وإقصاء لباقي الخيارات، ومنها الاستفتاء لتقرير المصير، ومخالف أيضا للرأي القانوني الصادر عن منظمة الأمم المتحدة في 2002، الذي ينفي خضوع الصحراء الغربية لأية وصاية أو سيادة مغربية، ويؤكد أن اسبانيا تبقى المسؤولة إداريا على الصحراء الغربية، حيث أن اتفاقية جنيف تمنع تبادل إدارة الأقاليم المحتلة في حالة الحروب، وهو ما يعني أن تواجد المغرب في الصحراء احتلال وفق القانون الدولي.
كما أن الرباط تركت مسألة الحدود مبهمة، بعدما رفضت الاقتناع بالحدود الدولية المعترف بها، وهي الحدود التي اعتمدتها منظمة الوحدة الأفريقية، ثم الاتحاد الأفريقي، بل وكرست الأمر في دستورها الجديد، حين تحدث عن الحدود التاريخية، فكيف لبلد أن يرتاح لجار يعلن ليلا ونهارا أطماعه في الحدود، وبلد يدّعي ويروج للاتحاد المغاربي، وهو أقل الدول الموقعة على الاتفاقيات بينما الجزائر وقعت على أكبر عدد منها، و.. و..
وفي مسألة أزمة مالي ومنطقة الساحل، فلا أحد يزايد على مواقف الجزائر، البلد المجاور الذي تربطه بمالي حدود من 1400 كلم، ومن ثمة حقها في حمايتها من أي تهديد، حيث سعت منذ بداية الأزمة في الثمانينيات إلى معالجتها في هدوء وبالتزام سياسي ودبلوماسي، حيث توجت جهودها باتفاق سنة 1991، ثم 2006، وذهبت إلى حد المبادرة بتمويل التنمية المحلية شمال مالي، في سياق نظرتها إلى طبيعة الأزمة، والتي ترى أن الحل العسكري يأتي في آخر المطاف، وباستهداف الجماعات الإرهابية دون غيرها، بينما سارع المغرب إلى حشر أنفه في الأزمة بدعم فرنسي، رغم بعده عن منطقة الساحل، إذ تفصله عنها موريتانيا والصحراء الغربية، وتجنيد عناصر إرهابية واستخباراتية في تنظيم التوحيد والجهاد، لضرب استقرار المنطقة والتشويش على الحدود الجزائرية، بما في ذلك خلق أزمة كيانات شمال مالي لتبرير حلوله الأحادية في الصحراء الغربية، والالتفاف على مساعي التسوية السلمية والسياسية، فاتحا الباب أمام تدويل الأزمة والتدخل العسكري الأجنبي، حنقا وغيضا على الجزائر المستقرة.
أما الوضع الاقتصادي، فإذا أراد المغربيون أن يقفوا على حقيقة الأمر ما عليهم إلا زيارة الجزائر، مدنها وريفها وصحرائها، ومؤسساتها، والعيش مع العائلات ويومياتها، ليتحسس طبيعة الخيارات الاقتصادية والاجتماعية، وكذا السياسية، وليدرك أن الجزائر مستقرة، بقناعة واقتناع خالص مبني على تجاربها الديمقراطية، وموجات من الربيع العربي الحقيقي النابع من مطالب داخلية، أهمها أحداث الثمانينيات و82 ، و5 أكتوبر، وهي مرتاحة في حدودها وراضية بها، وهي جنّة وواحة في صحراء، مقارنة مع ما يعيشه المواطن المغربي المغلوب على أمره.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review