29‏/8‏/2012

الإذاعة الوطنية .. انقذوا هذا الصرح الإعلامي من الاندثار.. !!


 بقلم / السالك عليين 
تعتصرني المرارة وأحس بألم دفين في نفسي كل مرة اهم فيها بالحديث عن واقع جمهوريتنا الأفلاطونية الفتية , اعترفت أم لم تعترف , فمظاهر الفساد أضحت مستشرية بشكل مخيف في أواصر جل مؤسسات دولتنا , ولا أدل على ذلك مما يجري هذه الأيام من مخططات اتخذها البعض - عن قصد او عن غير قصد - لنسف آخر قلاع الصمود والمرابطة " الإذاعة الوطنية" ورميها في مزبلة التاريخ !
لا أريد ان ارسم للقارئ الكريم صورة سوداوية عن الإذاعة الوطنية لا ولا ابغي ان اضفي على مقالي لمسة تشاؤمية بقدر ما اريد ان استقرئ واقعا مريرا ماثلا للعيان وادق ناقوس الخطرمن جديد على شاكلة من سبقوني من الزملاء , فقد لامني كثيرون من حولي على صمتي المطبق والاكتفاء بدورالمتفرج على ما يجري دون المساهمة في إحداث تغيير ولو بجرة قلم . 
كان لي شرف العمل رفقة آخرين في الإذاعة الوطنية منذ العام 2002 , كنا وقتها اكثر فخرا واعتزازا وحماسة لخدمة قضيتنا الوطنية ونحن ثلة يافعة يدفعها عنفوان الشباب ويحضها على تقديم ما هو أحسن وأفيد, كنا كخلية نحل نعمل ليل نهار وباجور زهيدة كي يصل صوتنا للعالم , كانت رغبتنا الجامحة في العمل وطموحنا الكبير في الابداع تنسينا هموم ومشاق مهنة المتاعب، سنوات عشر مرت هي عمر بأكمله قضيناه في تثبيت دعائم وسيط إعلامي بإمكانه مجابهة الآلة الدعائية المغربية, سنوات عشر قضت عملنا خلالها وجاهدنا وخلصنا لأوطاننا قبل ذواتنا متسلحين بالصبر وروح المسؤولية , لانريد ثناءا ولا نبتغي شكورا من احد ,حسبنا في ذلك ايماننا بقداسة قضيتنا التي ندافع من اجلها، سنوات عز فيها علينا فراق أحبة وزملاء لنا هم الآن نزلاء قبور لا احد يتذكرهم , شهداء عملوا واخلصوا واستشهدوا على العهد شهادة الأبطال لم ينصفهم التاريخ ولم تكرمهم الإذاعة ولم تقلدهم أوسمة ولا نياشين من حرير ولم تقم لهم نصبا تذكارية لقاء ما قدموه من تضحيات على مذبح الحرية، طيلة تلك السنوات عرفت الإذاعة الوطنية حالات مد وجزر في طبيعة ادائها كمديرية تابعة لوزارة الإعلام مع تعاقب المدراء اللذين تتفاوت درجة جديتهم في العمل ومستوى تسييرهم بتفاوت قدراتهم المهنية وروح المسؤلية وحتى بمدى ولائهم للوزير،  لقد لامسنا ذلك منذ سنوات وبخاصة غداة تأسيس التلفزيون الصحراوي وما تلاه من تبعات عكسية على الإذاعة - واقصد بذلك - مغادرة بعض المذيعين لتدعيم المولود الإعلامي الجديد وكذا الاهتمام الحكومي غير المسبوق  به على حساب ركيزة الإعلام الرئيسية "الإذاعة الوطنية" فغدت الرواتب الشهرية التي تم تخصيصها لصحفي التلفزيون تسيل لعاب أياكان بحجة المساهمة في الرفع من قدراتهم على العمل والإبداع، كل ذلك ساهم بشكل او بآخر في تراجع وتيرة الأداء بشكل لافت، بيد أن الأمور في الآونة الأخيرة اتخذت منحنى أسوأ من ذي قبل مع استشراء مظاهر الفساد والإقصاء الممنهج للصحفيين وضعف مستوى التسيير الإداري الى حد الشلل التام في بعض الأوقات .
فالمتتبع للإذاعة الوطنية خلال الأشهر القليلة الماضية يلاحظ دون عناء يذكر حالة الانحطاط التي وصلت اليها بحق وليس له من عزاء في ذلك الا التباكي على أيام الزمن الجميل، فاغلب البرامج متوقفة كالبرامج السياسية والإخبارية , اما البرامج الثقافية الهزيلة والمملة التي تعودنا سماعها منذ الطفولة فلا تزال متواصلة مع بروز برنامج تفاعلي جديد على السطح وغياب تام للفقرات التنشيطية وتقليص مدة بث الفقرة الناطقة باللغة الاسبانية من ساعة كاملة الى نصف ساعة، أما نشرات الأخبار فقد تراجعت بشكل لافت من حيث الأداء مع استمرار مسلسل طرد مقدميها والاعتماد على سياسة الترقيع بأصوات لا خبرة له، علاوة على ضعف هيئة التحرير التي تعتمد الآن على عنصرين اثنين يعملان بجهازي حاسوب مهترئين وبالتناوب، أما قسم المراسلين الذي استحدث منذ عامين فقد تم اغلاقه  اذ لا يتوفر على مقر او معدات خاصة او سيارة للمهام ما يضطر الصحفيين معه الى دفع تكاليف سفرهم على حسابهم الخاص لتغطية الأحداث الخارجية .  
القسم التقني هو الآخر لم يكن بأفضل حال من سابقيه فبالنظر للتجهيزات الحديثة "استوديوهات " التي استفادت منها الإذاعة في السنوات الأخيرة وهي ثمرة شراكة وتعاون مع جمعيات باسكية، إلا ان جل هذه التجهيزات تعطلت مع الضعف الحاصل في الخط المزود لشبكة الانترنت والهاتف ودون اغفال الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي .
سياسة تهميش واقصاء وطرد الصحفيين ماهي الا حلقة من مسلسل الفساد الذي يعشش في مديرية الإذاعة الوطنية, فبالرغم من ارتفاع الأصوات المنددة بهذه الظاهرة الا ان المسؤولين لازالوا يمعنون في التطاول على الصحفيين وحقوقهم والتي كان من آخر تجلياتها طرد الزميلين اسلامة الناجم والبشير محمد لحسن لأسباب واهية وغير قانونية، موازاة مع ذلك تبقى إشكالية التفاوت الصارخ والفاضح  للرواتب الشهرية لموظفي الإذاعة والتلفزيون قائمة دون حل، دون ان ننسى الخصومات والاقتطاعات المتتالية لتلك الرواتب بل وحتى عدم صرفها بالنسبة لعائلات الشهداء مؤخرا.
من المنصف جدا القول ان العمل بالإذاعة الوطنية بات عسيرا ان لم اقل مستحيلا  في ظل تردي حالة المعيشة ( قلة وسوء التغذية ,قلة المياه ..) وانعدام السكن اللائق بالموظفين , ففي أواخر العام 2009 وامام استمرار مظاهر الفساد والتهميش بالإذاعة الوطنية وبوازع أخلاقي صرف، قمت وصديق لي يعمل الآن في جريدة الصحراء الحرة بالاحتجاج لدى الجهات المختصة وقدمنا لها عريضة بتوقيع عدد من العاملين في الحقل الإعلامي وتتضمن مطالبا ادارية واجتماعية تخص وضعية المعيشة والسكن وظروف العمل وغيرها، ولمدة أسبوعين كاملين خلقت القضية ضجة في أوساط الرأي العام وأثارت حفيظة أصحاب المقامات الرفيعة، وكان من نتائج ذلك ان تم ايقافنا عن العمل بحجة إحداث شغب داخل مؤسسة حكومية، كما واتهمنا بأننا نحمل أجندة سياسية فيما لو أننا نطالب – وقتها- بمنصب وزير او مدير , كل ذلك حدث تنفيذا لمخططات أعدت سلفا وتم العمل بها خفية، اذ ان اغلب المدراء بالوزارة يعتبرون مديرياتهم أملاكا واوقافا خاصتهم , فلهم وحدهم أحقية الموافقة على من يعمل في ( قصورهم .. مزارعهم.. دكاكينهم ... ) حتى لا اقول مديرياتهم !!، ويكفي ان تحاول انت العامل البسيط ان تتفوه او تعبر عن رأيك حتى تسقط كل حقوقك ويصبح للمدير وحده حق اتهامك او تجريمك بما يشاء!، فلا صوت يعلو فوق صوت المدير في وزارة الاعلام !! ضف الى ذلك ارتباط بعض مدراء الإعلام بوزراء يأتمرون بأمرهم وينهون بنهيهم فمنهم من اتخذ بعض الوزراء كحبل نجاة يستنجد بهم في حال تم الاعتداء على حماه او حدث أن تم إقصاءه او تهديده بذلك  ولا حرج ان تراهم يتهامسون فيما بينهم " انا رجل فلان .. وانا صديقي فلان " في اشارة الى ولائه لهذا الوزير أو ذاك وتفاخرا بالعلاقة التي تربطهما الى درجة قد تشعر فيها بأنك جالس في وسط نادي للعظماء .    
لقد دفعت كثيرا ثمن آرائي، فقد تم توقيفي مرات عديدة وطردت من العمل مؤخرا لكنني في قرارة نفسي اعترف - على عكس كثيرين - بما قمت به وافتخر , فأنا في الأخير انسان اخطي وأصيب، إنسان حرغيورعلى وطنه وقد عاهدت نفسي ان اقول الحق مادمت حيا او اموت وانا ادافع عنه .
لقد المني كثيرا - وانا ممن خدموا في الإذاعة - ان أرى ما اعتراها من ضعف وقد كستها أيادي الفساد ثوبا رثا فأرثي لحالها وابكي لبكائها، لقد عجز العدو عن اذلالك لسنين طويلة وأنت الآن تذلين بأيدي أبناء جلدتك .. !!  
من نافلة القول ان ماتمر به الاذاعة الوطنية هذه الأيام انما هو وليد مخططات دنيئة أعدها سلفا أناس لاعهد لهم ولا مبدأ , همهم الوحيد ان يتم اغبار صوت الشعب الصحراوي او ابقائه ضعيفا وعاجزا في حربه الضروس ضد الآلة الدعائية المغربية، أناس لا يريدون للإذاعة ان ترتقي نحو الأفضل، أناس يدعون الوطنية في وقت يدوسون فيه - عن قصد - على ثوابتهم الوطنية , أناس بعقلية بائدة لا أخلاق لهم , يزكون النعرات القبلية ومستعدين لبيع أنفسهم لقاء فتات أسيادهم , أناس خانوا عهدهم ونقضوا وعدهم , أناس لا هدف لهم سوى تثبيت أقدامهم الهشة في مناصبهم ابتغاء للمصلحة الخاصة ولوعلى حساب مبادئهم وقيمهم .
المعضلة – برأيي- باقية دوما بقاء تلك الذهنيات التي أوجدتها، فان كان هناك إجماع دائم في أين استقر حد السكين فالاختلاف يبقى في أين كان مقبضها، و انا أجزم ان المقبض يبقى دائما في أيدي أعداء الشعب الصحراوي وقضيته، كصحراويين من واجبنا الذود عن مكتسباتنا الوطنية وثوابت امتنا ومن بينها الإذاعة الوطنية التي تتأهب لإطفاء شمعتها ال37قريبا، فأنقذوا هذا الصرح الإعلامي من الاندثار.
 السلام عليكم 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
electronic cigarette review