المستقبل الصحراوي

مجلة المستقبل الصحراوي اول مجلة صحراوية حرة ومستقلة تصدر بمخيمات اللاجئين الصحراويين

28‏/6‏/2012

من وحي القراءة... في وحي الصورة


إلي يغادر حنظلة الألم ليسكنني بدلا عنه
فأسائلكما: أأنا حنظلة أم أنتما؟؟
أم هذا التيه النازف من الشغاف
يروي الزمن و السراب؟؟
و هل الطيور التي لا تهاجر
تستحق الأجنحة؟؟
و هل صرخة الولادة براءة من الانتظار؟
و ربيعنا، يا حنظلة، أما آن له السفر
نحو الموت علّه ينهض من رماده؟؟
فيهزم اللات و العزى و يسقينا
من دمه الماء الزلال... و ينصرف
متأبطا ذاك الذي علاه الصدأ
و محت عاديات الاتكال اسمه...
حنظلة إلى أين تسير في صحراء التيه و الشجون؟
ألتقطف لها نجمة... و تسقي له طلحة؟؟
و أنا أحظي منك شوقي إليك؟؟
سأقتفي أثرك في سراديب العشق
نحو ذاك الذي كادت منمقات الكلام تنسيني صورته...
فعذرا حنظلة إن أنا لم أحملك على كاهلي الوهن
فالسنوات السبع العجاف خلفن سبعا عجافا...
و السنبلات اليابسة لم يبق لهن أثر...
و الحثالة تأبى إلا أن تسرق ضوء القمر...
فامض حنظلة فهناك...هناك الوطن...
   
  الـنـاجـم الـشـيـعـة، صباح 24/06/2012

الفساد الكبير هو الحاكم الفعلي في المغرب


أحمد  بنشمسي
تصوروا لحظة أن رئيس الدولة الفرنسي يمتلك في نفس الوقت أكبر مجموعة اقتصادية خاصة في البلاد. الأمر يستعصي حتى على الخيال؟ انتظروا قليلا، هذه مجرد البداية.
تصوروا بالإضافة لذلك أن الكاتب العام لقصر الإليزيه هو الرئيس التنفيذي لتلك المجموعة، وأضيفوا لذلك أن هذا الشخص الذي أصبح أقوى رجل أعمال في الجمهورية  يمتلك لنفسه سلسلة من الشركات التجارية تنتزع امتيازات وتحصل باستمرار على صفقات دون عناء. عقلكم لا يستسيغ كل هذا ؟ لا زالت هناك بقية ليكتمل المشهد: تخيلوا الآن أن الوزير الأول يوافق بموجب مرسوم رسمي على استثمار بضعة ملايين يورو من المال العام في شركة خاصة يمتلكها جزئيا ذلك الكاتب العام للإليزيه. وأخيرا أضيفوا أن الشركة المذكورة هي شركة شبح لا تتوفر على مكاتب أو موظفين، وتقدم أرقاما تضليلية عن توقعاتها من مبيعات ومصاريف وأرباح!
لو تحققت نسبة عشرة بالمائة فقط من هذا السيناريو لسقط الرئيس الفرنسي على الفور جارفا معه انهيار الحكومة بل و ربما الجمهورية الخامسة بأكملها. ولكن ما يعتبر في فرنسا خيالا ونكتة هو عين الواقع    في المغرب وهو البلد الصديق والحليف.
وللتذكير فقط لمن يجهل هذه المعطيات فإن الملك محمد السادس هو في الحقيقة من يمتلك أغلبية رأسمال  مجموعة  SNIالشركة الوطنية للاستثمار التي تمتلك بدورها أكبر البنوك الخاصة في المغرب و أكبر شركة  لاستغلال المعادن وكذلك أكبر سلسلة متاجر عصرية في المملكة. إن الرجل الذي يدير هذا التكتل المترامي الأطراف والذي بلغ رقم معاملاته منذ بضع سنوات  8٪ من الناتج المحلي الإجمالي هو منير الماجيدي،  الذي يشغل في نفس الوقت منصب السكرتير الخاص لمحمد السادس.
و لهذا السبب فإنه  أقرب مساعد للملك حيث ينظم جدول أعماله ويرتب اجتماعاته ويقوم بمهمة تصفية المعلومات التي يتلقاها وما إلى ذلك. هذا الدور المزدوج للسيد الماجيدي بوأه مرتبة الرجل الأكثر كراهية من طرف رجال الأعمال المغاربة، وهو أمر طبيعي لأنه يمارس ضدهم باسم الملك منافسة شرسة وغير متكافئة نظرا لنفوذه الساحق على المؤسسات المالية مثل صندوق الإيداع والتدبير ووزارة المالية وإدارة الضرائب وما إلى ذلك.  لكن رجل أعمال الملكية هذا لا ينسى أبدا مصالحه الذاتية، نظرا لكونه صاحب العديد من الشركات العاملة في مختلف القطاعات، فإنه لا يتردد في الدفاع عن شؤونه الخاصة مستغلا سلطته على دواليب الدولة.
لقد كشف كاتب هذه السطور منذ أسبوعين على مدونته فضيحةً تجسد بصفة كاريكاتورية كيفية اشتغال "البزنس حسب الوصفة الماجيدية". إنها قضية شركة  BaySys  التي توجد في قلب منظومة الفساد المؤسَّس الذي تمارسه الدولة في المغرب.
ما هي القصة : في عام 2010، اتصل السكرتير الخاص للملك محمد السادس بشركة BaySys وهي من موردي صناعة الطيران الأمريكية، كانت بصدد البحث عن شريك مالي لتجاوز مرحلة حرجة. بدل أن يوظف السيد الماجيدي شيئا من ماله الخاص لضخه في الشركة مقابل نصيب من رأسمالها (و هو صاحب أرصدة محترمة)، فقد قام بتوجيهها نحو شركة الخطوط الجوية الملكية المغربية  RAM  لكي تقوم هذه الشركة العمومية بدفع مبلغ 25 مليون يورو الذي تحتاجهBaySys ، مستعملة أموال دافعي الضرائب، دون أن ينسى أن يؤمن لنفسه مخططا للاستفادة من العملية. لهذا الغرض أنشأ السكرتير الخاص للملك  في شهر غشت 2010 شركة BaySys Morocco ، وهي مؤسسة فارغة على الورق فقط ليس لها لا موظفون و لا مقر ، يمتلك 100٪ من رأسمالها عن طريق شركتين  وهميتين لكي لا يظهر اسمه.
بعد بضعة أشهر، صدر مرسوم رسمي عن الوزير الأول المغربي عباس الفاسي يسمح لشركة الخطوط الملكية المغربية باقتناء جزء من رأسمال BaySys Morocco. أماالتوقعات التي تبرر هذا الاستثمار فهي متفائلة جدا جدا بل تستوجب الضحك:  لقد كان المنتظر أن تحقق شركة السيد الماجيدي  مبيعات سنوية بقيمة 45 مليون يورو وربحا صافيا قدره 4.3 مليون يورو منذ عامها الأول... دون أن تستند هذه الأرقام التي لا تكاد تصدَّق إلى أي افتراضات أو حسابات تعززها! قمة العبث أن هذه التوقعات التي لا مصداقية لها استطاعت أن تصمد دون أدنى انتقاد أو تدقيق وهي تمر عبر خمسة مستويات كبيرة من القرار داخل الدولة المغربية : شركة الخطوط الملكية أولا، ثم وزارة المالية، ثم الوزارة الأولى، ثم الأمانة العامة للحكومة وأخيرا بنك المغرب  الذي نشر تلك الأرقام بحذافيرها بعد بضعة أشهر في وثيقة داخلية. هل معنى ذلك أن كبار المسؤولين المغاربة كلهم غير أكفاء ؟ بالطبع لا. ولكن منذ اللحظة التي ينزل فيها السكرتير الخاص للملك بثقله في أمر ما فإن المسؤولين الكبار يتوقفون عن التفكير ويكتفون بالتأشير على ما طُلب منهم  دون أدنى تردد.
في نهاية المطاف لم يُنجز الاستثمار وانهار المشروع كله لأسباب لا تزال غامضة (على الرغم من رسائل التذكير المتكررة، لم نحصل من مسؤولي  BaySysالدولية على أي جواب)، لكن الطريقة التي تمت بها معالجة هذه العملية برمتها تفسر الطبيعة الحقيقية للنظام المغربي: إنه نظام يعُجُّ بتضارب المصالح وباستغلال النفوذ على أعلى مستوى من الدولة وبتواطؤ من السلطات المنتخبة. إن عباس الفاسي، زعيم حزب سياسي والوزير الأول السابق الذي وقع على مرسوم BaySys هو أيضا بالمناسبة والد فهرالفاسي، المدير العام السابق لإحدى شركات  السيد الماجيدي. هذه الشركة FC Com، تهيمن على سوق اللوحات الإشهارية بالمغرب بفضل الشروط التفضيلية جدا التي تمنحها لها البلديات والمؤسسات العمومية. أما صلاح الدين مزوار، زعيم  حزب آخر ووزير المالية السابق، الذي وقع بدوره مرسوم BaySys فهو أيضا من الذين يدينون بالولاء للحاشية الملكية. لقد افتضح أمره مؤخرا لكونه منح لنفسه تعويضات وعلاوات معتبرة  في إطار تبادل المنح والعطايا مع نور الدين بنسودة، الخازن العام الحالي للمملكة  والمدير السابق للضرائب وأحد أفراد البلاط   وهكذا دواليك ...
في العام الماضي عاش المغرب أيضا نسخته من "الربيع العربي". لقد طالب المحتجون بالديمقراطية فقام محمد السادس بتمرير دستور جديد يتحدث عن "الحكامة الرشيدة" وعن "المساءلة". هذا الإصلاح وصفه آنذاك نيكولا ساركوزي "بالمثالي" ووصفه آلان جوبيه "بالتاريخي". صحيح أن المادة 36 من النص الدستوري الجديد يحظر صراحة ... استغلال النفوذ! إنها جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي بموجب مادته 250 بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات. لكن في المغرب النظرية شيء والممارسة شيء آخر. من هو هذا الوكيل المجنون الذي سيحرك الدعوى ضد منير الماجدي أو بصفة عامة ضد أحد أعضاء الزمرة التي يحميها الملك شخصيا ؟ جعفر حسون، أحد القضاة الذين حاولوا إزعاج بعض أقارب الملك في عام 2011 وجد نفسه مشطبا عليه سلك القضاء، ممنوعا من التحول إلى مهنة المحاماة ومضايقا لكي يتخلى عن مجرد فكرة الدخول لمعترك السياسة.
عندما تغيب السلطات المضادة يزدهر الفساد الكبير بحرية في المغرب، نظرا لتزايد اللامبالاة من طرف الجمهور المصاب بخيبة الأمل من جراء مناخ النفاق المهيمن. أما الصحافة المستقلة فلم تعد سوى مجرد ظل خافت لما كانت قبل عشر سنوات واجهت خلالها المضايقات الاقتصادية والقضائية. لقد أثبت السيد الماجيدي بحكم موقعه أيضا كأول مستشهر في البلاد قدرته على مقاطعة الصحف وإرغامها على الإفلاس. لا زالت اليوم الصحف الأكثر جرأة تتناول فضائح الدائرة الثانوية أمثال السادة مزوار أو بنسودة. ولكن الاقتراب من الدائرة الملكية الأولى يحكمه الصمت، والدليل أن فضيحة  BaySys  على الرغم من أنها تناقلتها الشبكات الاجتماعية الرقمية بشكل مكثف... لم يرد ذكرها ولو من قِبل جريدة مغربية واحدة. أما حكومة عبد الإله بنكيران الاسلامية التي انتُخبت بناء على وعد مكافحة الفساد، فإنها صامتة أيضا، بل أكثر من ذلك إنها  ببساطة خارج التغطية.
---
 باحث في جامعة ستانفورد الأمريكية ومدير سابق لصحيفة "تيل كيل" المغربية
المصدر: جريدة "لوموند" الفرنسية

26‏/6‏/2012

تجاهل أم عجز العرب وقضية الصحراء الغربية


سيدي محمد بن جعفر
تطلق الصحراء الغربية على الركن الشمالي الغربي من أرض  البيضان[1] وهي عبارة عن إقليم محصور بين الجزائر من الشرق ، والمغرب من الشمال وموريتانيا من الجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، تتكون ساكنته من شعب البيظان الذي هو بدوره مزيج من صنهاجة وعرب المعقل المندمجين منذ قرون في ما بينهم ، اندماج نتجت عنه عصارة بشرية مميز عن محيطيها العربي والآمازيغي في الشمال والشرق،والزنجي في الجنوب ، وقد ظل هذا الشعب محافظا على استقلاله السياسي  بطريقة ملفتة وذلك منذ انفراط عقد دولة المرابطين اللمتونية ، كما ظل  ملتزما بقيمه ،متمسكا بتراثه، محتميا بصحرائه التي مكنته من العيش بعيدا عن الحكام المتسلطين حتى مطالع القرن العشرين عند ما بدأ الزحف الغربي فجاست جحافل فرنسا جنوب وشرق مجال البيضان رغم البطولات التي واجهوا بها الزحف المتفوق عدة وعتادا  فتمكنوا من إلحاق ضربات موجعة بالزاحفين ، وكبدوهم خسائر كبيرة  قبل أن  تتم لهم الغلبة والسيطرة وقبل ان يغادروا قاموا بتمزيق المنطقة ورسم خرائطه وفق استراتجيات المحتلين في التحكم في الأمم والشعوب.
زحف الأسبان بدورهم من الشمال والغرب ،ميمين الشواطئ الشرقية للمحيط الأطلسي المواجهة لجزر الخالدات مستفيدين من اتفاق موقع مع فرنسا في 27 من يونيو سنة 1900 ،مكنهم من احتلال الساقية الحمراء وواد الذاهب فأصبح الجزء الوحيد من أرض البيظان الذي استعمر خارج سياق بقية الصحراء الكبرى،مزق المحتلون بلاد البيظان فشكل جنوبه موريتانيا الحالية التي ضمت اكبر تجمع منهم، وبقى شرقه جسما غريبا غير متجانس مع دولة مالي ، وظل إقليما ثائرا تائها باحثا عن هوية مفقودة بين أغلبية آمازيغية وعربية تشترك في التراث وقرون من الاندماج الحضاري في يد حكومة زنجية بحتة ،ووقع الشمال الشرقي  في حدود الجزائر، إنه فعلا شر ممزق لشعب عجزت الصحراء الكبرى بطبيعتها القاسية عن وضع حواجز تمنع التواصل بين أفراده وجماعاته.،فرغم الجهود الجماعية والأهداف المشتركة والشعور بوحدة الانتماء التي واجهوا بها الغزاة معا حيث قاتل الصحراويون وأبلوا  بلاء حسانا لصد التوسع الفرنسي عن موريتانيا تماما مثل ما شارك أهل آزواد في معارك صد الغزاة تلك والشيء نفسه قام به بيظان تنيدوف، فقد فرض الاستعمار إرادته وفرق الجميع  وخضعت كل شعوب المنطقة تحت رايتي فرنسا وإسبانيا .
شهدت كما هو معلوم أواسط أربعينيات القرن الماضي ظهور تحولات كبيرة وعميقة في الوضع الدولي نتيجة الإكراهات الحرب العالمية الثانية، اكراهات كان من نتائجها المباشرة تراجع المد الكونيالي وبروز نواة لخرائط جديدة هُيأ لها بعناية فائقة ضمنت لقوات الاحتلال استمرار الحضور والنفوذ في الأراضي التي كانوا يديرونها بشكل مباشر، تفاوتت المناطق كل حسب خسائر مستعمره،فرنسا المهزومة كليا تركت كل مستعمراتها في القارة الإفريقية في فترات جد متقاربة بداية من سنة 1956 [2]حيث لم تتم سنة 1960 [3]حتى كانت غالبية مستعمراتها خارج السيطرة، وحدها اسبانيا ظلت متمسكة بالصحراء الغربية وكان لذلك أسبابه ودوافعه في الوضع الدولي آنذاك .
في ستينيات القرن الماضي ظهرت دولة البيظان الأولى تحت اسم موريتانيا وهي تسمية تعود للرائد الفرنسي فرانسو كايي[4]
بظهور موريتانيا للوجد كانت المغرب حديثة العهد بالاستقلال لها أطماعها التوسعية؟ تحت قيادة محمد الخامس[5] فطالبت بضم موريتانيا وساندها عرب المشرق في تلك الفترة ، ورفض المطلب عرب شمال إفريقيا حيث كانت تونس بورقيبة أول بلد يعترف باستقلال موريتانيا،وظلت أطماع المغرب مستمرة ومعلنة  إلى غاية 1969  وظل العرب رافضين موريتانيا في جسمهم السياسي إلى غاية 1973 عند ما قبلوا انضمامها إلى جامعتهم  حيث أصبحوا أمام أمر الواقع [6].
في عام 1975 وفي أحلك ظروف نضال الشعب الصحراوي للتخلص من نير الاستعمار الإسباني كانت مؤامرة تحاك ضده أبطالها من يفترض فيهم مد يد المساعدة، لقد استطاع ملك المغرب الحسن الثاني  خداع الرئيس الموريتاني المختار ولد داده، وجره إلى حرب إخوة الدم لتقاسم أرضهم مع العدو المشترك الذي ظل يرفض الاعتراف بموريتانيا وظل يحيك لها المؤامرات ويساند كل طامع فيها ولا يجد فرصة يعبر فيها عن أطماعه تلك إلا واستغلها، خدعة اعترف ولد داداه بها لكن بعد فوات الأوان[7] أي بعد أن شرع للمغرب التواجد على أرض الصحراء بقبوله التقسيم،  أرسلت  الشقيقة موريتانيا قواتها لتشارك المغرب احتلال الصحراء .
من هنا بدأت محنة الشعب الصحراوي على يد إخوة الدم إثر غلطة من ولد داداه، سببتها خدعة من الحسن الثاني!!.
كان ولد داداه شخصية نافذة إفريقيا ، وكان الأفارقة لا يمانعون في الاعتراف لموريتانيا بأنها والصحراويون شعب واحد، إذا ما قبلوا الاندماج  رغم أن منظمة الوحدة الإفريقية واضحة في الالتزام بالحدود الموروثة عن الاستعمار،وظلت نظرتها للمشكلة محكومة  في الأساس بذلك البعد فالإقليم بالنسبة لهم ينطبق عليه قانون تصفية الاستعمار والأفارقة بفعل ماضيهم المحزن حساسون من الاستعمار حتى لو كان استعمار بيني كما هو حال الصحراء ، كانت مواقف غالبية الأفارقة مع حق تقرير المصير .
أما العرب فكانوا منهمكين ولو ظاهريا في "الصراع من أجل فلسطين؟" لا وقت لديهم للحديث عن غيرها ، كانوا مقسمين إلى اتجاهين ، اتجاه يمثله القوميون بشعارات الوحدة من المحيط إلى الخليج؟ ومن أجله لا مجال لدولة جديدة في جسم " الأمة"  ويمثل هذا الاتجاه جمهوريات العسكر، رفض لاعتراف بالشعب الصحراوي ولو كان المحتل نظاما ملكا مثل الأنظمة التي أطاحوا هم بها في بلدانهم ، إنها ازدواجية غريبة في العقل السياسي العربي المعاصر في تعاطيه مع قضية الشعب الصحراوي جديرة بالاهتمام، واتجاه لصيق بسياسة الدول الكبرى همه ينحصر في تنفيذ سياساتها مقابل  دفاعها عن استمراره في الحكم ويمثل هذا الاتجاه ممالك النفط  وممالك الغنائم (المغرب الأردن) ،وحدها الجزائر خرجت عن هذين النسقين في ما يتعلق بقضية الصحراء ودعمت نضال الصحراويين[8] .
هكذا تعامل العرب مع المشكلة، قوميون لا يريدون مزيد تشرذم لوطنهم المجزأ!! وملكيات تديرها عائلات تدار بدورها من طرف الغرب الباحث فقط عن ثروات باطن الأرض وبأقل تكلفة ، ومن سوء حظ الإخوة الصحراويين أن باطن أرضهم يزخر بكل ما يسيل له لعاب شركات الاحتكار حيث ينبغي أن تحكم تلك الأرض من طرف من همه استنزافها فقط وليس تعميرها، إضافة إلى شاطئ غض غني مصاغب لموانئ التفريغ الغربية ، تحالفت لعبة الجشع الغربي الطامع في الثروة مع بحث ملوك المغرب عما يبعد عنهم شبح الانقلابات في وطن يعاني من قمع لا نظير له ، وطن لم يستفد سكانه من مجاورة الغرب في الحصول على قسط من الحرية ، ولا على قسط من التنمية ، وطن مختصر في شخص حاكم بإذن الغرب على حساب مصالح بلده.
ليس لافتا غياب الدين في تعاطي العرب مع قضاياهم ، فمن المحزن أن هناك حقيقة لا يريد صناع الرأي العام العربي الحديث عنها صراحة عند ما يتعلق الأمر بالعلاقات العربية العربية ،إنه الدين كعنصر داعم لمعالجة قضاياهم الكبرى ، أجل من المؤسف أن الدين الإسلامي بما يملك من طاقة جبارة إن استغلت في إصلاح البين ووضع الأمور في إطارها الصحيح من المؤسف أنه لا يتم استحضاره إلا كورقة تأجيجية في الصراع البيني ، وعليه فإن الأنظمة الخليجية هي المتحكمة لأن في القرار العربي وهي حليفة المغرب بامتياز لا تجمعهم مرجعية مذهبية دينية واحدة ، فلو كان للدين حضور في السياسات العربية لكان المغرب والسعودية طرفا نقيض لأن المغرب دولة  تستمد العائلة الحاكمة فيها شرعيتها من الخلفية الصوفية[9] ذات البعد المرتكز على الانتساب للسلالة النبوية ، بينما  السعوديون يستمدون شرعيتهم من مذهب أحمد بن حنبل المعروف تاريخيا بعداوته الشديدة الأهل البيت حيث يغلب على مشاهير علمائه ما يعرف بالنصب أي كره آل البيت ومناصرة الأمويين[10] ، ويعتمدون على اجتهادات محمد بن عبد الوهاب، الذي يعتقد هو و أتباعه أن المتصوفة مشركون.
لو أن أمور العرب المذهبية كانت طبيعية لكانت السعودية في جانب الشعب الصحراوي ، فهي بالإضافة إلى هذه الخلفية التي تشكل مرجعيتها معروفة بكرهها لكل ما هو قومي يدعو إلى الوحدة ولكونها هي من يقود " الإسلام العربي"  لذلك ليس من المناسب أن نتحدث عن انتماء اسلامي في تعامل العرب مع قضية الصحراء فلا حضور للدين في عمل عربي معاصر ذا قيمة حقيقية على الأمة، الوضع الصحيح  والمهم جدا هو أن لا يتحدث العرب عن القضية الصحراوية،فرب ضارة نافعة، من حسن حظ الصحراويين أن العرب لا يتكلمون في قضيتهم ومن حسن حظهم أن عرب شبه الجزيرة بالذات يساندون المغرب فلو كانوا يدعمونهم لكان مستقبلهم شبيه بالفلسطينيين تماما من الاقتتال البيني والفرقة والطائفية، لو ساندوهم لكانوا في وضع مخجل ومحزن إن من يدرك عجز العرب لا يسعه سوى تهنئة الصحراويين وحضهم على أن لا يتركوا العرب يتدخلون في الملف فالعرب عاجزون حتى عن تنسيق مواقفهم في قضية فلسطين التي يعتبرها كل حاكم عربي قضيته، إنهم اعجز من أن يتجرؤوا على الحديث علناعن ما يريدون فعله، على الإخوة الصحراويين ان يبعدوا العرب ما استطاعوا عن قضيتهم ففي إفريقيا وأمريكا اللاتينية ظهير وفي لن يتخلى عنهم ، والتاريخ كفيل بإنصافكم فآخر أواق المغرب هي مهزلة الحكم الذاتي التي لا يريدها العالم، رغم استماتة الامبريالية العالمية في تسويقها.   
[1] البيظان بالظاء كما ينطقونها اوالبيضان كما يكتبونها تسمية يطلقها ساكنة الصحراء الكبرى على الشعب العربي الناطق باللهجة المسماة عندهم بالحسانية نسبة إلى حسان جد الفرع المعقلي المنساح في تلك الصحراء والذي شكل تمازجه مع قبائل صنهاجة مجموعة البيظان و الفظة لا تعني الانتماء الجنولوجي وإنما دلالتها في الأساس ثقافية فعند ما يقولون عن شخص ما بيظاني يعني ذلك انه متمسك بقيم هذا الشعب.
[2] استقلال تونس والمغرب
[3] في هذه السنة حصلت جميع دول غرب إفريقيا الفرنسية على استقلالها
[4] درج جل مؤرخي  الفترة الاستعمارية في موريتانيا إلى اعتبار مهندس احتلالها المدعو إكزافيي كبولاني هو من أطلق عليها تسمية موريتانيا وهو خطأ صححه الباحث الكبير الدكتور محمدو ولد محمدن في كتابه المجتمع البيظاني في القرن التاسع عشر حيث أورد فيه وثيقة تعود لسنة 1843 أطلق فيها الضابط فرانسوا كايي  اسم موريتانيا على ساكنة الضفة الشمالية لنهر السنغال الحدود الفاصلة بين ارض البيظان والزنوج في منطقة الترارزة بالجنوب الغربي الموريتاني  وذلك قبل كبولاني بأكثر من نصف قرن أنظر للمزيد أنظر كذلك كتاب التوغل الفرنسي في بلاد البيظان للمؤلف سيدي محمد بن جعفر
[5] الصواب أنه محمد السادس لأن محمد بن عرفة هو  محمد الخامس  من السلاسة العلوية غير أن إقصائه من طرف الدوائر الاستعمارية وحساسية  بن عمه محمد بن يوسف المدعو الخامس من تاريخه وترسيخ في أذهان المغاربة تسميته بالملك الدمية كلها جعلت سنواته الثلاث في الحكم والتي بسببها لم يلغ الفرنسيون النظام الملكي كلها جعلته يُنسى ويدعا الأخير بمحمد الخامس
[6] اخبرني شيخنا ولد محمد الاغظف أول وزير خارجية موريتاني في مقابلة أجريتها معه بمناسبة مرور أربعين سنة على استقلال موريتانيا أنه كان في اللجنة التحضيرية لقمة آديس ىبابا الإنشاء منظمة الوحدة الإفريقية وانه قال لجمال عبد الناصر لم لا تقبلون انضمامنا للجامعة العربية فقال له انتظروا سنعترف بكم وسنفرض على العرب الاعتراف بكم.
[7]  للمزيد يمكن العودة إلى كتاب المختار ولد داداه موريتانيا في مهب الرياح
[8] ظلت مواقف الزعيم الليبي الراحل من قضية الصحراء متأرجحة مع سياساته المضطربة فبعد كان دائما قويا للصحراوين ربما فاجأ الجميع بالانخراط في كيان وحدوي مع المغرب سنة 1983
[9] تنتسب العائلة المالكة في المغرب إلى مولاي علي السجلماسي  ومن اسمه نسبتها العلوية حيث يفرق بينا وبقية أشراف المنطقةاذين هم في الغالب أدارسة وليست النسبة إلى على بن أبي طالب كما يعتقد العامة ومولاي علي السجلماسي بدوره ينحدر من الدوحة النبوية عن طريق محمد النفس الزكية بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط  وهو الأخ الأكبر الإدريس الأكبر قود قاد ثورة الحجاز ضد المنصور العباسي وقتل حيث تمكن أخاه ادريس من الفرار إلى المغرب وتأسيس الدولة الإدريسية ، وكان السجلماسي وليا وصحب كرامات
[10] يمكن العودة في هذا الصدد إلى كتب بن تيمية خاصة كتابه منهاج السنة حيث يقول فيه إن امير المومنين عليا قاتل من أجل الرياسة وكان مخذولا ويقول عن معاوية بن ابي سفيان كان مجتهدا وكثير من علماء الحنابلة كان يلعن عليا قبل ان يبدأ في التدريس  يمكن العودة إلى بن بطة والخلال وبن ابي يعلى القاضي وعبد الله بن احمد وسترى العجائب

25‏/6‏/2012

قصتان قصيرتان


مصطفى عبد الدائم
1 ( شخلط طير او بخنوس ؟؟) 
ليجد له مكانا بين حشود المتفرجين على بديع رقص ( الظليم) صاح ( شرتات) ..( ذاك ولد منتنا ) . ما جعل الجموع تفسح الطريق ل( شرتات) باعتباره خال هذا الراقص البارع في حفل ختان ابن الأسد ملك الحيوانات .
تبوأ ( شرتات ) صدر المكان , وما كاد يفعل حتى اختل توازن الراقص ورفس شبل الأسد بشدة . زمجر الأسد وتأهب لتأديب ( الظليم ) , لكن الأخير أطلق ساقيه للريح ولم يستطع احد للحاق به  ...
آنذاك التفت الجميع نحو ( شرتات) وقالوا بصوت واحد ( راعى لكم خالو ) ...
 ( خالو ..خالو ..) تمتم ( شرتات) واردف مستغربا  ( خال اش ..شخلط طير او بخنوس ) .




 2 ( اخبار الوراني من تمزميز )
ركب اثنان على ظهر ناقة بيضاء وكانت وجهتهما واحدة .. وكانت الناقة ملكا لهما وعليها مؤونتهما ومالهما .. لا فضل لأحد منهما على الآخر.. فهما متساويان في كل شيء ...
لكن فرضت طبيعة الركوب على الدواب أن يكونا مترادفين ..احدهما لابد أن يركب خلف الآخر ...
هكذا سارت الأمور. 
الراكب الأول كان يحث الناقة على المسير ( ا ي اي متتتممت ..اي اي متت متتت)  والثاني خلفه فعل نفس الشيء . فاستهجن الموالون للراكب الأول  فعلة الثاني وصرخوا في وجهه ( اخبار الوراني من تمزميز ؟؟ )  

عندما تلد الجرائد نوقا و ..


محمد لحسن 
لقد شكلت ظاهرة استغلال المؤسسة وتحوير دورها ليتأقلم مع مصالح القائم عليها القاعدة وليست الاستثناء في ظل هذا الواقع الغني عن التعريف أو التعليق. وعلى غرار الكثير من المؤسسات التي تحور دورها من خدمة الصالح العام الى خدمة مصالح خاصة كان لبعض وسائل الاعلام نصيبها هي الاخرى .
ولأنها لا تمتلك ما تتاجر به لتحقيق تلك المصالح الضيقة للقائمين عليها، إلا التطبيل والتهليل والدعاية لأولياء النعمة فقد احترفتها صنعة، وانشغلت عن هموم الوطن والمواطن بتفاصيل الصورة تارة واقف، وتارة جالس، تارة مبتسم، وتارة حازم (ولي النعمة طبعا) وانهمكت عن قضايا الوطن الحقيقية بنقل اخبار القيادة وتغطية زيارتهم بالخط العريض، هذه العناوين والصور مأخوذة بتراتبية وقحة لأولياء النعمة، الذي يعلوه سلطة يكثره اخبارا وصورا .
بهذه الطريقة فقدت قرائها من المواطنين لأنها ببساطة لا تكتب لهم وتعبر عنهم بل تكتب للقيادة والقيادة فقط، هذا لا يعني انها صحف نخبوية تكتب لنخبة ما، تشترك معها فلسفة معينة، وتخاطبها من منظور فكري محدد، او تكتب لقيادة تحاول ارشادها الى الطريق الصواب وتصحيح اخطائها بل للأسف تكتب للذين يستلذون رؤية صورهم وأسمائهم مكتوبة بالبند العريض، هكذا تحولت في نظر جمهور المواطنين القراء الى مجرد صحف لزجاج السيارات لأنها لا تعبر عن همومهم وانشغالاتهم  ولا تحمل وصوره وأسمائهم وبالتالي لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد ولا توجد فيها من فائدة إلا صلاحيتها لغسل الزجاج. .
وسأكتفي هنا بنموذجين لهذا النوع من الاعلام الذي استعمل من طرف القائمين عليه كجسر للوصول الى السلطة ومن ثم المال ضاربين عرض الحائط كل المعايير الإعلامية والأخلاقية تاركين المواطن لمصيره، اما الوطن بالنسبة اليهم فقد اختصره شخص المسؤول أو القائد او القيادة او سميه ما شئت، النموذج الاول:
الجريدة التي اوصلها مديرها الى الحضيض الى مجرد ورق لزجاج السيارات في احسن الأحوال، في حين أوصلته هي الى منصب وزير وبسرعة اكبر الى مستثمر في الابل ومالك لحمر النعم.
أما الثاني فهو صاحب المجلة التي اوصلته هو الآخر الى منصب قائد ناحية ومالك للعقارات في تندوف المجاورة، وهي التي لا تختلف عن الجريدة السالفة الذكر إلا في كون ورقها لا يصلح لغسل الزجاج.
وصل هذا النوع من اشباه الاعلاميين الى هذا المستوى لأنه على ما يبدو عمل بنصيحة الشاعر العربي الكبير نزار قباني في قصيدته (أبو جَهْل.. يشتري فليتْ ستريت ) التي يقول فيها:
16
على الذي يريدُ أن يفوزَ
في رئاسة التحريرْ....
عليهِ .. أن يَبُوسَ
في الصباحِ ، والمساءِ
رُكْبَةَ الأميرْ.. ..
عليه.. ان يمشي على أربعةٍ
كي يركب الأمير!!..
لا يبحث الحاكم في بلادنا
عن مبدع..
وانما يبحث عن اجير
(....)
24
لا ترفع الصوتَ.. فأنتَ آمِنْ .
ولا تناقش أبداً مسدساً..
او حاكماً فرداً..
فأنت آمِنْ..
وكن بلا لونٍ، ولا طَعْمٍ، ولا رائحةٍ..
وكن بلا رأيٍ..
ولا قضيةٍ كبرى..
واكتبْ عن الطقسِ،
وعن حبوب منع الحملِ - إن شئت-
فأنت آمن..
هذا هو القانون في مزرعة الدواجنْ..
بهذه الكيفية التي اعطاها الشاعر نزار قباني من الالفاظ والصور ما يغنيها عن اي توصيف اخر، وصل أشباه الإعلاميين الى مناصبهم الحالية في الوقت الذي فرض فيه على اعلاميين مقتدرين شرفاء الموت سريريا في لحمادة بين جدران الطين أو البحث في ديار الغربة عن لقمة عيش كريمة لا تقايض اقلامهم وأرائهم، وهي الطريقة نفسها التي تم بها وأد عناوين اعلامية كانت ستشكل الاساس لإعلام وطني هادف، كجريدة الاستفتاء على سبيل المثال لا الحصر.
قد يصل البعض الى اعلى المناصب التى لم يكن يحلم بها، عن طريق التملق والتطبيل، والتهليل، لكن هذا لا يخدم قضية ولا يحرر وطنا، ولا يبني مجتمعا ولا يصنع مستقبلا بل يؤسس لثقافة التزلف والخضوع والخنوع  التي ما فتئ الشعب الصحراوي يحاربها مع الجهل والضعف والاحتلال. 

21‏/6‏/2012

لقاء خاص مع السيد محمد لمين البوهالي وزير الدفاع الوطني


قال وزير الدفاع الصحراوي محمد الأمين البوهالي "  إن الشعب الصحراوي لن ينتظر إلى الأبد استجداء الحلول السلمية وسيضطر أخيرا لاستخدام السلاح لانتزاع حريته واستقلاله..كما اتهم المخابرات المغربية والمعارض الموريتاني المصطفى والإمام الشافعي بالوقوف وراء إنشاء جماعة التوحيد والجهاد الإرهابية التي قامت باختطاف الرعايا الغربيين من داخل المخيمات الصحراوية.
تحدث وزير الدفاع في المقابلة عن عديد الجوانب المرتبطة بالقضية الصحراوية.
وفي ما يلي نص المقابلة :
البيان الصحفي: معالي وزير الدفاع الصحراوي، نبدأ معكم بالسؤال التالي: الجبهة تخلد السنة المقبلة الذكرى الأربعين لتأسيسها هل ستكون مناسبة لاتخاذ موقف جديد من المغرب في ظل تعنت المملكة وتجاهلها لقرارات الأمم المتحدة؟
محمد الأمين البوهالي: أولا أرى أن تخليد الجبهة لذكرى مرور 40 عاما على إنشاء في رسالة قوية إلى المغرب التي كانت في البداية تسوق لفكرة أن الجبهة ليست سوى مجموعة من الرعاة، وأن الشعب الصحراوي لن يكون بمقدوره أن يقاوم مقاومة شرسة للاحتلال المغربي مثل ما حصل في الميدان، بعد أن كان ملك المغرب يصف مواجهة المقاومة الصحراوية برحلة شرب الشاي، أو جولة سياحية لا تستغرق أكثر من أسبوع، وكان يحلم بأن يقوم بالقضاء على سكان المنطقة، وهذا ما ترفضه قيم العروبة والإسلام أن يكون شخص ما يفترض أن ينتمي لهذه القيم يكون هدفه القضاء على شعب آخر وحرمانه من حقوقه في تقرير مصيره، ذنبه الوحيد أنه قاتل باستماتة لنيل استقلاله من دولة أوروبية مستعمرة.
وهكذا فإن ملك المغرب وبدل أن يدعم شعبا عربيا مسلما في وجه احتلال أوروبي، قام هو نفسه بممارسة نفس الاحتلال على هذا الشعب، ومحاولة القضاء عليه.
إذن ها هو الشعب الصحراوي بعد اربعين سنة من انطلاق كفاحه وثورته يثبت للمحتل وللعالم أنه سيبقى مناضلا من أجل حريته وكرامته. وحقيقة فإن هذه الذكرى ترمز للاستمرار وتواصل الكفاح على درب الحرية والاستقلال.
وحقيقة فإن المدة الزمنية بالفعل قد طالت ونحن في وضعية ألا حرب وألا سلم، حيث كنا نتصور أن في شهور فقط من بدء الأمم المتحدة خطة تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية سنة 1991 نستطيع تنفيذ الاستفتاء عادل ونزيه بإشراف الأمم المتحدة وننتهي  من الوضع القائم ويقرر الشعب الصحراوي عندها مصيره بنفسه، ولكن قدر الله أن الأمم المتحدة لم تف بالتزاماتها ونحن نأسف لذلك لكون رمز أجماع الأمم ورمز ثقة الشعوب لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها أمام الشعوب وهذا مؤسف وفي غير متوقع ويمثل خيبة أمل بالفعل، وهو ما يعطي للشعوب المبرر لأن تتحرك اعتمادا على جهودها الخاصة لانتزاع حقوقها والوصول إلى تحرير الوطن الذي تطمح له.
ونحن تعاطينا ولا زلنا نتعاطى مع الأمم المتحدة أملا أن تجد حلا عادلا للقضية للأننا من الناحية الأخلاقية لازلنا لا نريد سحب الثقة من الأمم المتحدة مع أن الكثير منا لا يريدون ذلك ويرون أنه من الأفضل الدخول في المواجهة العسكرية لانتزاع الحقوق اعتمادا على المقولة أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بها، ونحن نعلم أن الملك المغربي الحالي يعلم اعتمادا على تجربة الملك السابق حقيقة أنه لا يمكن للقوات المغربية أن تحرز انتصار على الشعب الصحراوي وقواته الباسلة مهما كان قوة وضخامة الجيش المغربي ..
ما أريد تأكيده في هذا الموضوع أن الشعب الصحراوي لا يمكنه الانتظار إلى ما لا نهاية، ولا كن ثقتنا بالأمم المتحدة رغم أن خيبة أملنا في عدم وفائها بتعهداتها – لا زلنا نأمل في الوصول إلى حل بواسطة الأمم المتحدة، من خلال تمكين الصحراوي من تقرير مصيره بطريقة نزيهة.. ومع ذلك فإن خيارا آخر يبقى مطروحا وهو الدخول في حرب ضد القوات الغازية والنظام المغربي بشكل عام إلى أن ينتهي الاحتلال
البيان الصحفي: علمنا أنه تخرجت مؤخرا دفعة جديدة من القوات الصحراوية الخاصة.. هل في ذلك رسالة معنية إلى المحتل المغربي خاصة أنه تزامن مع سحب المغرب لثقته من المبعوث الأممي؟
محمد الأمين البوهالي: نحن نعلم أن وزارة الدفاع جزء من المؤسسة العسكرية الصحراوية، ونحن نرى أن وقف أطلاق النار وحال اللاحرب واللاسلم لا يمكن أن تبرر وقف بناء القدرات العسكرية للدولة الصحراوية، فنحن نبحث دائما عن كل ما يساهم في بناء الجيش الصحراوية وتمكينه من القدرات والخبرات الضرورية لممارسة مهامه، وإعداد القوة لظروف المختلفة، وعلى هذا الأساس وزارة الدفاع دائما تعد الوحدات وتبحث لها عن الخبرات والتقنيات العالية، وهنا أشير أننا فعلا حصلنا مؤخرا على فرص لتكوين وحدات خاصة من الشباب لمواجهة احتمالات الدخول في حرب، وخطتنا العسكرية جاهزة في حالة دخولنا في حرب ، وسوف لن تكون الأراضي المغربية آمنة، وسننقل الحرب إلى داخل المملكة المغربية نفسها... بالطبع لا توجد عندنا نوايا لقتل إخواننا المغاربة أو المزيد من القتال، ولكن إذا سدت أمامنا كل الطرق والمنافذ المؤدية لتحقيق الاستقلال والحرية للشعب الصحراوي لا يوجد هناك بديل سوى الرجوع إلى الحرب، وسوف لن نرجع لحزب تقليدية بسيطة بل سنعمد إلى حرب ثقيلة وعميقة ستحول المنطقة كلها إلى نار ، وسوف يعيش المغاربة ويلات الحرب في بيوتهم  كما يعيشها الشعب الصحراوي، صحيحا مشكلة الاحتلال هي مع النظام المغربي لكنه ينفذ الاحتلال بالجيش المغربي وهذا الجيش هو أبناء الشعب المغربي وبالتالي عليهم تغيير نظامهم الذي نعاني منه ليتجنبوا بأسنا.
البيان الصحفي: تدور الآن في المنطقة حرب على التهريب والإرهاب  كيف تتعامل وزارة الدفاع الصحراوية مع هذا المشكل في المنطقة؟.
محمد الأمين البوهالي: نحن نعلم جميعا أن طبيعة شعب "البيظان" في الصحراء الغربية وفي موريتانيا وحتى الشعب الجزائري، لم نألف هذه المسلكيات الدخيلة مثل الاتجار بالمخدرات، لكننا بحكم الجوار مع هذه المنطقة المفتوحة مثلا الصحراء المالية والنيجرية التي تنشط فيها الجماعات التي تمارس تجارة المخدرات والتهريب بجميع طرقه...أصبح علينا الوعي بضرورة المشاركة في الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة هذه الجماعات خاصة أن تشكل البيئة المناسبة لتكوين الجماعات الإرهابية... ونحن نلاحظ مثلا دور هذه الجماعات في نقل مواجهتها إلى موريتانيا بدء من سنة 2005، ونحن نعلم أن نقل هذه الخطر إلى موريتانيا يستهدف الإخلال باستقرارها ونحن نرى أن ذلك يشكل خطرا أيضا علينا نحن خاصة في مناطقنا المحررة.. ومن الغريب أن هذا الإرهاب يتستر تحت الجهاد في سبيل الله، وهو من ذلك بعيد لأن هذه الجماعات تقوم بأعمال تخالف الشرع، ونحن نعتقد أن الجهاد المشروع هو قتال الشعب الصحراوي من أجل استقلاله لأن شعب تم الاعتداء عليه أرضه وانتهكت أعراضه، وتم مهاجمته بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة، والأسلحة المحرمة دوليا..
البيان الصحفي: هل ترى أن هناك أداة ربط بين المغرب وبعض هذه الجماعات الإرهابية؟
محمد الأمين البوهالي: معلوماتنا قبل انطلاق نشاط بعض هذه الجماعات الإرهابية أن هناك أيادي للمخابرات المغربية وحتى الفرنسية، وهناك أعتقاد أن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي، كان يخطط للغط على الجزائر من المنطقة الجنوبية، ونحن نعلم أن المغرب يرى أن أي عمل عدواني ضد البوليساريو هو عمل مقبول حتى ولو كان نفذ بأيادي إرهابية، ومعلوماتنا أن المصطفى ولد الشافعي وجنرالات المخابرات المغربية هم من أشرف على تكوين وإنشاء إحدى هذه المجموعات الإرهابية، وهي جماعة "التوحيد والجهاد" لذلك لم يكن مستغربا أن تكون أول عملياتها قد نفذت ضد الشعب الصحراوي باختطاف المتضامنين الأجانب الذي كانوا يساعدون الأطفال الصحراويين، ثم تلتها ثاني  عملية وهي تفجير "تمنغراست" الجزائرية، وثالث عملية هي أيضا القنصلية الجزائرية، ومن الغريب أن القنصلية الجزائرية لم يتم الاعتداء عليها من أي جماعة مسلحة أخرى سواء كانت من القاعدة أو أنصار الدين. وهذا يؤكد المعلومات أن هذه الجماعة من صنع المخابرات المغربية..
ما أريد تأكيده هنا أننا لا نريد فتح جبهة أخرى هامشية أو ثانوية ضد أي كان، نحن صراعنا الأساسي والمحوري هو مع المحتل المغربي، لكننا إذا مست كرامتنا أو تم الأعتداء علينا فإننا لن نتردد عن الدفاع عن أمننا واستقرارنا..
البيان الصحفي: ماذا عن موقفكم من سحب المغرب ثقته من مبعوث الأمم المتحدة إلى الصحراء كريسوفر روس؟
محمد الأمين البوهالي: المغرب كان دائما هو من يقوم بهذا العمل فقد سحب الثقة أيضا من المبعوث السابق، واستقال المبعوث الذي قبل ذلك السيد جيمس بيكر أيضا بسبب تعنت المغرب، مثلما أوضح ذلك في مذكراته.. وما يهمنا نحن هنا أننا نؤكد أن البوليساريو كانت دائما متجاوبة مع كل الخطط، حتى تلك التي كان يفهم منها أن يمكن أن تشكل ضرر علينا بينما المغرب لم يستجب لأي شيء..
وبالنسبة للسيد روس عمل منذ سنوات على الملف كان يقوم بوساطات وبحث مع الأطراف كلها، ورغم ذلك لم ينجح في إيجاد حل سريع، ولكن مع ذلك فإن المنتظم الأممي يؤيد حهوده، وكذلك الدول المجاورة مثل الجزائر وموريتانيا، ونحن كذلك رغم أننا لم نلحظ تقدما كبيرا، ومع ذلك ليس عندنا يأس يبرر أن نقطع الطريق على الوسيط الأممي ما دمنا نقبل مسار الحل الأممي، أما المغاربة فيريدون أن يكون أي شخص يسعي لإيجاد حول أن يكون مرتبط بالمخزن، وهذا مستحيل لأن المحتل لا يمكن أن يملي شروطه .
البيان الصحفي: هل تدعمون جهود موريتانيا لمكافحة الإرهاب؟
محمد الأمين البوهالي: نحن نرى أن أي تهديد لأمن موريتانيا هو تهديد لأمننا نحن، ونحن كنا نأمل أن تظل موريتانيا وأراضينا نحن المحررة مناطق آمنة، لأننا لم نعتدي على أحد ولم يعتدي علينا أحد، ومن المعروف أن موريتانيا من أكثر البلدان كانت أمنا، ونحن كنا نتضرع إلى الله أن يظل هذا الأمن متواصلا، ولكن للأسف جرت الرياح بما لا نشتهي، حيث يقول الشاعر "من لا يظلم الناس يظلم".. وتم الاعتداء على موريتانيا، وفرض عليها الدخول في معارك لم تكن ترغب فيها، ولم تكن مستعدة لها .. ونحن مع أمن موريتانيا واستقرارها ومع عدم الاعتداء عليها لأن الشعب الموريتاني هو عمق الشعب الصحراوي ويستحق أن يكون آمنا ..
البيان الصحفي: بصفتكم قائدا للجيش الصحراوي ما هي الرسالة التي توجهونا للمناطق المحتلة؟
وزير الدفاع: المناطق المحتلة هي جزء الأكبر من الوطن، وهي القوة الشعبية الصحراوية التي توجد غرب الحزام الدفاعي الذي يفصل بين الأراضي الصحراوية والذي يمتد على 2400 كلم، وهذا الشعب بدء منذ الغزو المغربي في الانتفاض والتمرد على المحتل المغربي، ونحن نعلم أن إرادة الشعب الصحراوي أن ما وجد هي ضد الاحتلال ومعادية لهيمنته وجبروته، وتكافح بشتى الوسائل من أجل الاستقلال. وهذا الشباب المتواجد داخل المناطق المحتلة هو بالنسبة لنا هو القوة التي توجد بين صفوف العدو وهذه القوة عليها أن تظل دائما تمارس مهامها النضالية فالمعركة قد تكون بالسلاح وقد تكون بطرق أخرى، ما نتفق عليه جميعا هو أنه لا يمكن أن تظل أرضنا محتلة ويظل المغرب متعنتا وهذا لا يمكن أن نقبله، طبعا نحترم المغرب كشعب تربطنا به روابط الدين، ولا نريد له إلا الخير وعليه أن يعلم أنه لم تكن هناك أي روابط إدارية في السابق بين الصحراء والمملكة المغربية وبالتالي فإن الجيش المغربي هو جيش محتل قدم من وراء الحدود ..
البيان الصحفي: نود لم تطلعنا معالي الوزير على تجربة النضالية في صفوف الجيش الصحراوي وأهم المعارك التي خضتموها ؟
محمد الأمين البوهالي :حقيقة تجارب الشعوب مع الاستعمار وحروب الاستقلال مختلفة ومتعددة، لديك مثلا الحرب الفيتنامية والثورة الكوبية وغيرها، لكن لكل شعب أن يضع بصماته وخصائصه على معركته في مواجهة المحتل، ويروض أرضه حسب تضاريسها ومعطياتها على تجربته لمواجهة المحتل، وهنا نذكر بتجربة الشعب الصحراوي في المقاومة ، ومن المعلوم أنه كان هناك اعتقاد أن الشعب الصحراوي لن يستطيع أن يقود مواجهة في بيئة كالبيئة الصحراوية كأرض جرداء وخالية من الجبال ولا يوجد فيها كثير من المياه ، ولا تصلح لحرب العصابات ، لكن التجربة أثبتت أن الشعب الصحراوي نجح في تطويع الأرض، وقيادة حرب عصابات فريدة من نوعها ضد المحتل، فالجيش المغرب في اليوم الذي عبر فيه الحدود الصحراوية الدولية سنة 1975 عبر بواسطة قوات كبيرة جدا محضرة بعدة وعتاد ثقيل وبجحافل من الجنود والآليات ضد شعب لم يكن يتوقع الغزو بهذه الشكل ولكن يتوقع أن المغرب كان يهدف لإبادة الشعب الصحراوي، ولكن عندما حصل هذا الشعب الصحراوي هب عن بكرة أبيه لمواجهة العدوان، وتمكن من تحرير ثلاثة أرباع الأراضي الصحراوية، وهذا بفضل المقاومة الصحراوية الباسلة، وهنا أذكر ببعض التجارب التي قد يختلف معي فيها بعض القادة العسكريين وهي ثلاث عوامل لنجاح المقاومة وهي : أولا إرادة التحدي عن الإنسان الصحراوي إرادة الرد على التقسيم، وثانيا تكييف الأرض مع الظروف المناسبة للمقاوم الصحراوي، أما المسألة الثالثة فهي دراسة التجربة بشكل أسرع، وتقييم المرحلة وتحديد أماكن الخطأ والصواب.
أجرى المقابلة : مولاي إبراهيم ولد مولاي أمحمد

20‏/6‏/2012

بصيري القائد المؤسس الرمزية المصلوبة بين نسيان الامة وجحود الرفاق وسطو و قرصنة الاعداء!؟؟


أندكٌسعد ولد هنَّان 
لا يختلف اثنان اليوم أن منظمة الطليعة لتحرير الصحراء بقيادة القائد
الرمز محمد سيد إبراهيم بصيري هي أول التمظهرات السياسية المنظمة الحديثة للفعل الوطني الصحراوي المجسدة للتميز و الاختلاف والشعور الواعي بضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية الصحراوية و تجسيم مطلب الحق في السيادة و التمتع بالحقوق و الضرب بعصاء الوطنية على نهج رتابة الاستعمار وبالتالي ربط حلقات الرفض الوطني للاستعمار الذي حوصرت أخر تمظهراته المسلحة بإحكام اتفاقية اكوفيوم 1957 بين الاستعمار الفرنسي و الاسباني و النظام العلوي في المغرب، في إطار الخيانة المشهورة و المشهودة التي تواطأ فيها هذا الأخير على المقاومة الصحراوية المسلحة مما حرمها من احد مصادر الدعم المادي و التسليحي و مجال التحرك المناوراتي في إطار ترتيبات كبرى دنيئة، كانت الصحراء الغربية و مقاومة شعبها الباسلة الشرسة و البطولية، إحدى أهم حلقاتها شملت كذلك: الريف المغربي و كل أقطاب الحركة التحريرية المغربية و بؤرها المنادية باستقلال المغرب ، فلما كانت تمظهرات الحركة التحريرية المغربية، تتجاوز العرش العلوي في المغرب رضخ هذا الأخير لمصلحة، فقط إستمرار العرش، للدخول في هذه الاتفاقية الدنيئة، وكان النصيب الأكبر من المؤامرة يستهدف بالطبع المقاومة الصحراوية المسلحة لإعتبار إثخانها في الاستعمار وقوة شكيمتها و شساعة ساحة انتشارها و توسطها لكل الساحات التي اخضيعت و ضراوتها و بسالتها و احتمالات إلهامها لكل الجهات والجبهات المحيطة بالصحراء الغربية، ولعل عملية حسابية بسيطة للمدى الزمني الوجيز الفاصل بين اتفاقية اكو فيوم 1957 و إنتفاضة الزملة التاريخية 17/06/1970 م كحدث وطني ميداني، أي بمدى فاصل لا يتعدى 12 عاما كفيل بإعطاء أكثر من علامة ذات دلالات دالة على حيوية الفعل الوطني الصحراوي وتجذر معاني وقيم الرفض للاستعمار و الإذلال، كما أن قساوة الظروف الطبيعية وشح الإمكانيات وعدم ملائمة الظروف البيئية الصحراوية للصمود و التخفي و المناورة ، كل شيء مكشوف، كفيلة بان تعطي صور دالة على نوعية الرجال وقوة الإرادات و إيمان أصحابها..... التاريخ و الدراسات المحايدة هي وحدها الكفيلة بتقدير حجمها وعمقها و انسحاب تأثيرها على كل الجهات و الجبهات المحيطة بل أكثر من ذلك حجم الجحود و التآمر والكيدية من الجيران الأشقاء وهو ما يفسر التآمر وبيعها لمجرد الحصول على ضمانة استمرار النظام في الشمال ( إكوفيوم 1957 ) ليحصل التناغم واستسهال التلاقي للغزو والاجتياح 1975 من أنظمة ضد إرادة و تطلعات وطموحات شعوبها ( اتفاقية مدريد 14 نوفمبر 1975 ).
التاريخ وحده كفيل بكشف الخيوط و التقاطعات و المكايد وبالتالي إنصاف إرادة هذا الشعب الحية في الحياة و رفض الظلم و الاستعمار و الاحتقار . ومهما تكن الخلاصات فبحكم حجم التضحيات وشساعة ساحة الفعل و إيقاع المقاومة وقساوة ظروف الفعل ونوعية النتائج و تأثير وقعها على الاستعمار وتداعياتها على و في المحيط المحيط فإنها لم تكن اقل شأننا ولا تأثيرا من ثورة العشرين في العراق وثورة عبد الكريم الخطابي في الريف ولا حتى ثورة ومقاومة الأمير عبد القادر في الجزائر .... واللائحة تطول، وبالتالي فان تأثيرها وإيقاعها و وقعها قفز بأهمية ومحورية التآمر عليها و هو ما كان .
فكانت منظمة الطليعة لتحرير الصحراء بقيادة القائد الرمز محمد سيد إبراهيم بصيري، ثمرة طبيعية شرعية وطنية واعية مُنَظِيمَةً و مُنَظَمَةً لتراكمات وطنية من الرفض للخنوع و الرد الواعي على واقع الاستعمار و الإذلال من جهة، و مضاعفات و تداعيات التآمر و الخديعة من أخرى.
فبمجرد أن توافرت معطيات وجود القائد المفكر المنطيم الْمُلْهِمْ، و الطلائع المؤهلة لتكون عماد وجسر التواصل والانصهار بين تظلمات وتطلعات القواعد الشعبية، وفكر و قيادية و الهام و مناقبية القائد الرمز و استشرافيته المتشبعة بالإيمان الديني و الطلائعية الثقافية العلمية و السياسية، و تجليات عميقة و متألقة خلفتها سيرة الرمز، و إلهامية تفتقت بها و عنها مآثره تثبت و تكشف عن آيات من التضحية و التصميم و البسالة و الجلد و الجسارة و الشجاعة و الإقدام، كشفت عن قائد و قيادية، يؤمن صاحبها فعلا أن: القادة شموع تحترق لتنير طريق الشعب إلى الحرية و الانعتاق، من خلال جعل من الأجساد الفانية جسور عبور نحو العزة و الكرامة و الإباء و الكبرياء و الخلود للرجال، و نحو الوطن و الحرية و الاستقلال و الرفاه لشعبهم. انطلاقا من إيمان صحراوي عميق عنيد جسور متشبع بروح و ثقافة و قيم
أن :
الرَّاجَلْ يَبْنِي حَلَّ وَ أَلْحَلَّ مَا تَبْنِيِ رَاجَلْ
فكانت محورية الرجل القائد الرمز، بكل ما يرمز إليه ضرورية و محورية، للظرف و في الظرف، توقف: عندها ما قبله و عليها ما بعده.
ولعل أسئلة وطنية مفاتيح، تفك رموز هذا السهل الوطني الممتنع ؟ من خلال اثارت نقاش وطني جريء ومطلوب بحكم مآل المسيرة ؟ و وجهة المسار ؟ على قاعدة أن مراجعة إخفاقات المسيرة ليست بالضرورة تلغيم للمكاسب ولا الثوابت الوطنية، بل تصليبٌ للمواقف الوطنية، و صقلها من أدران القصور و التقصير و الأنانية و الشوفينية و الشخصانية، من خلال ترسيخ اللحمة و تحديد الخيارات و تمحيص المواقف و الخروج النهائي من دوامة قراءات المبني للمجهول، من
خلال تحديد قواعد اللعبة على مستوى الذات وتجاه العدو بالرجوع للمنطلقات .....
ليس طبعا بحث في الرُّكَامُ عن إنصاف للرجل للقائد للرمز، لأنه ببساطة أنصف نفسه مرات.......:
أولها : بنهجه نهج الشهادة، وبذلك كسب الفوز عند الخالق، و القدسية عند المخلوق، و حدد الحدود الفاصلة، ليس الحدود الموروثة عن الاستعمار بالمحاكاة في التفكير و التدبر و التدبير، بل الحدود الفاصلة و المميزة بين الطلائعية و الطمائعية.
الطلائعية : في خدمة الشعب و القضايا المصيرية بفعل التضحية و الإباء و الكبرياء و الصمود و الاستماتة و القيادة المناقبية الاستشرافية في التنظير و الفعل و القدوة و الخلود.
و الطمائعية: بما تعنيه من تقصير و قصور و أنانية و شوفينية و ارتزاقية، تتستر بأقنعة من الانفصام الفكري و القيمي و الأخلاقي و الشخصي الشخصاني و تتمترس وراء شعارات من الوطنية الرنانة الجوفاء المبتذلة الوقحة الطنانة التي مضغها الكذب و الاحتيال و الخداع و الكيدية و فقدان المصداقية، حتى سلبها كل طعم أو رائحة أو نكهة، حتى تماهت مع أهداف العدو و خدمتها أكثر مما خطط العدو نفسه له ( تآكل داخل )
ثانيا: نظر و خطط وقاد المسيرة، وحدد وجهة المسار و مسار التوجه، حفز الرفاق، تقدم الجمع، لم يتلكأ، و لم يساوم، ولا تذاكى، ولا تقاعس،
بل اختار أن يكون جسده جسر عبور للقضية الوطنية نحو: وطن مستقل و شعب سيد، وليس بها عن الوطن
ثالثا: أسس نظريا وعمليا للقطيعة الفكرية والنظرية والسياسية مع واقع ( أَتَمْكٌَارْ ) والترحال السياسي الوطني ( أَتْزَوْلِي ) والمقايضات الدنيئة بإحداث صحوة وطنية، خلقت الأمل و كشفت الدسائس و حددت الوجهة و التوجه و أسست للوحدة الوطنية الحقيقية في المشاعر و الطموحات و التطلعات، و أدوات الفعل الوطني مما هيئ و أخصب التربة للوحدة الوطنية فيما بعد باعتبارها قطب الرحى ( أَشْظَاظْ أَرْحَ ) لأي مشروع وطني
يا للطلائعية، بصيري يقول لرفاقه: ( يعني الاستعمار الاسباني ): ( اتركوهم يسيلون دمائنا لنربكهم فينا )، طلائعية من هذا الحجم و بهذه الأبعاد و المعايير و التجليات مطالبين نحن بإنصاف أنفسنا بمجرد محاولة الارتقاء إلى استحضار مثلها و مآثرها فينا و أفضالها علينا و الاهتداء بهديها و تنسم عبق نقائها و صفائها الشخصي الفكري المناقبي و قيمها و شمائلها و خصالها القيادية و الطلائعية في تجلي قداسي لا يجد تفسيره إلا في كون كما يقال في مأثورنا الشعبي:
( ألَبَنْ وَلاَّدَمْ أَدْبَاغُ )
وهو ما يضعنا ألان أمام التساؤل الكبير إسقاطا و استنادا إلى إدارتنا لتجربة تجريب نموذجنا الوطني في إدارة الصراع و بناء الذات للتحرير:
هل نحن مقاومة وطنية منظمه، بطلة متكاملة متناغمة متناسقة تراكمية تصاعدية الأداء و المكاسب و تكتيل الجهود الوطنية و الطمأنة و الإستقطابية و بالتالي استجماع شروط فرض النصر و تحقيق التطلعات العامة وتقصير عمر الاحتلال و اللجوء و الماسات ؟؟
أم أن التجربة تعطي الانطباع بل أكثر من انطباع بأننا فقط مجرد مقاومين أبطالا كنا ؟؟
تساؤلات مطروحة و مفتوحة و مُلِحَةً برسم النخب ؟؟؟!!!
و لعل الأسئلة الوطنية المفاتيح تكون هادية لذلك، أستسمح الفقيد أي الشهيد وهو كذلك بنواياه افعاله و خصاله، استسمحه في زمن سيادة الابتذال وانقلاب المفاهيم وارتباك انساق القيم و شيوع ( ثقافة تعكاب شي ) و حوول
الطمائعية محل الطلائعية
والكيدية محل الرفاقية و الوطنية و الوضوح
الأخذ محل البذل و العطاء
استسمحه في طرح الأسئلة التالية وهل من مجيب
من هو محمد سيد إبراهيم بصيري ؟؟
لماذا أسس منظمة الطليعة لتحرير الصحراء وما هي أهدافها ؟؟
لماذا لم يهرب لما اشتد الخطر ؟؟
لو كان المغرب كما يدعي ألان افتراء انه كان ظهيرا له لماذا لم يذهب إليهم ؟؟
لماذا رفض اقتراح رفاقه بعث رسالة المنظمة للمغرب كما فعل مع كل الجوار ؟؟
ولماذا يوصيهم إن المغرب هو الشر؟؟
وهو المجازف المطارد من المخزن لمجرد جهره إعلاميا أن الصحراء للصحراويين ؟؟ المطلوب منهم للتصفية ؟؟
بالتأكيد أن اسبانيا وهو في قبضتها ساومته ؟؟
لماذا لم يساوم ؟؟
من كان غيره مؤهلا لِيُّخَاطَبْ؟؟
حتى يصمد أو يُسَاوَمْ أو يُسَاوِمْ ؟؟
هل كان بإمكانه بكل ما يعنيه و يمثله من رمزية و قدسية وكاريزما ميدانية و شخصية و قيادية، أن يعطي و يأخذ ولماذا لم يفعل ؟؟
ما علاقة عناده و إصراره و رفضه المساومة بميلاد و فكرة  PUNS؟؟
ما علاقة طيف ذكراه باستنساخ الكوركاس عن  PUNS؟؟
نفس الأفكار نفس الأدوات نفس الأساليب و حتى نفس الأشخاص ؟؟
وما علاقة ذلك بقرصنة العدو لذكراه للسطو على ذاكرتنا الوطنية ؟؟
و التجني على مآثر الرجل ؟؟
بعد أن تكالبت عليه العوادي ؟؟
وكأن يد ( غَدَّارْ طَلْحُ ) امتدت من جديد تلاحق النسر الناجي من غدر
( واد غَدَّارْ طَلْحُ ) والله إن الجحود هو العار؟؟
لتظل رمزية القائد الرمز المؤسيس، مصلوبة بين نسيان الأمة ؟! و جحود الرفاق ؟! و سطو           و قرصنة الأعداء ؟
كلها كبائر ولكن الأخيرة هي اكبر الكبائر لنقولها بصراحة : انه لولا قصور الرفاق و تماديهم في الجحود ما حصلت.
لكن ما يُؤْسِفْ و يثيرالإستغراب و الحسرة والمرارة والتغزز والشفقة حتى، هو أن يصل
العهر السياسي إلى مستوى يصبح فيه صراع " الرفاق" يتهاوى بهم إلى هاوية سفالة استباحة دماء الأفذاذ ليعلقوها كالعقبان و الغربان على الملء نهارا جهارا دون حياء ولا خجل في تقاطع مقيت بين الجحود و التوظيف الحاناتي الوقح ،و هذا منتهى الدعارة السياسية في حانات الرذيلة ؟؟
الم يبقى لدى " الرفاق" بقية أخلاق و شيء من التقوى ؟؟!!
إذا لم يُجِلُّونَ بها عظمائنا، على الأقل يخجلون من مآسي و ألام و تظلمات و تطلعات و تضحيات و عطاءات و شجاعة و كبرياء و سخاء و بذل شعبنا البطل، فليرحموه إذا لم يكن في وبي تحقيق أماله و تطلعاته التي يستحقها، فعلى الأقل يعفوه تدنيس سمعته الماجدة الخالدة عبر العصور و الأجيال في اختزال صورته المشرقة و المشرفة في " نخبة " تترنح بين الصراع على وهم السلطة أو الارتماء الوقيح في مجاهل الخيانة والتساقط و العمالة و الارتزاق و الكيدية ؟؟
أُفٍ أُفٍ لها " نخبة " صحراوية تترنح بشعبها البطل بين قمم الشجاعة و دهاليز وكهوف الخيانة، وكأن لعنة الشهداء و الجرحى و الأرامل و اليتامى و الأبرياء، لعنة هؤلاء جميعا تطارد من أؤتمنوا على العهود، فتجد الرجل يبيت على حال و يصبح على نقيضه دون حياء و لا تأنيب ضمير؟؟!!
فتجده يظل يومه أسدا و يمسي ليله هرا يثير الإشمئزاز !!
و من يبيت على الرفاقية و الوطنية و يصبح على القبلية و الكيدية !!
و من يبيت على الأمانة و الاستقامة و يصبح على السرقة و الارتزاق !!
ومن يظل يحرض على التقشف و ترشيد الممتلكات العامة للصمود ويبيت على التهريب و الاستنزاف للبناء و التأثيث في المحيط مختزلا الآمال العامة في أحلامه الشخصية الضيقة في لحظة تحنط ضمير مستغلا لحظة صفاء وطني.. ؟؟!!.
لنفترض جدلا أن الفقيد محمد سيد ابر هيم بصيري و الشهيد البطل الولي مصطفى السيد موجودين ألان على قيد الحياة [لا تخشوا على أصنام السكر و التمر، هو مجرد افتراض] هل كانا سيختلفان على المنصب و توزيع الحصص أيهما سيبقى و أيهما سيهرب ؟؟؟!! (حاشاهما حاشاهما)
هل يمكننا تخيل اختزال هؤلاء العظماء الأفذاذ فى منصب أو هروب ؟؟؟!!
أم أنهما بما تميزا به من خصال و شمائل و حنكة و حكمة ونفاذ بصيرة، قررا الاستشهاد لأنهما نسران حائمان، لا يليق بمقاميهما العيش إلا على القمم، قمم الكبرياء و الإباء و الشموخ و العطاء و الخلود، و لا يصلحان و لم و لا يقبلان التحول إلى عقبان تلعق و تنهش الفرائس ؟؟؟!!
فقررا الاستشهاد كل بمقتضيات لحظته التاريخية، ليعفوننا شر الاختلاف و حب السلطة و احتمالات الارتماء في مستنقع الخيانة النتنة.
هل في سيرهما و مآثرهما الخالدة ما يمكن أن يدعي إلى تخيل إمكانية اختزالهما حاشاهما حاشاهما في مجرد زعامة قبلية تتذاكى على شعبها، يركبونه لبلوغ مأربهم الشخصية على حساب الامال العامة للشعب ؟؟؟!!
أم أن الفقيد و الشهيد كل منهم شكل و مَثَّلَ إضافة ََّّقَيِّمَةً و قِيَّمِيَّةً طلائعية مناقبية قيادية، بصمت انبعاث و تنظيم و تاطير الفعل و الجهد الوطني، و شكلا ضمانات للمشروع الوطني من كل انحراف، و مثلا بفكرهما و تنظيرهما و قدوتهما و طلائعية أدائهما و تضحيتهما، شاخصات وطنية تحدد الوجهة و التوجه دالة في أي موقف تيه أو انحراف ؟؟؟
جسدا بالشعار و الممارسة مقولة:
( أنجز أحرار ما وعدوا ) 
فصانوا الأمانة وأوفوا العهود و استماتوا فيما حرضوا الرفاق عليه و عبدوا طريق الحقوق و العزة و الوجود و الخلود، و فازا و رفاقهم بشرف ومقام و وعد: 
( .... رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا ....)
صدق الله العظيم


قصة قصيرة. كرونولوجيا حياة أخر اندروفير


السيد حمدي يحظيه
سنة 1975م
يقسم البوهالي، مغلظا، انه اشترى اندروفيره الزريقة :" جديدة، أخرجتها من القارب مباشرة في ميناء العيون، يخرج البخار من أنبوب الدخان إذا اشتعلت محركها، العداد صفر كلم..."
ويضيف منتشيا وفرِحا بالسيارة التي راكم سنوات مرهقة من عمره يجمع ثمنها، ويجمع شتات صورتها في مخيلته:" لا تسمع صوتها، أو لها صوت خفيف مثل صوت الهواء أو دبيب النمل. بمجرد أن تمس رجلك الدواسة تتحرك، وإذا فكرت إن توقفها تتوقف وحدها دون لمس الفرامل."
ولم يعرف في الأيام الأولى في اية متاهة سيدخلها: تجول بها في المدن، زار الأهل، ذهب إلى البادية، أوقفها أمام ديار كل الذين يعرفهم. وفي الأخير، بعد تكفير مرهق ولذيذ، قرر إن يبدأ التجارة بين العيون والزويرات. في شهر واحد تقريبا كان يقول للناس الذين يلتقي بهم أن الزريقة( سيارته)، " ردت ثمنها، وانه لم يبق أي شخص مدين له بشيء." وحين يركب الفخر رأسه يقول مزهوا:" أستطيع الآن أن أقف كاشحا عن رأسي وأقول من له دين على البوهالي فليأتي". 
لكن ذلك الفخر والإعجاب غير المحدود بها كان يكدره غبار كلام بعض أصحابه، مثل حمادي، حين يقولون أن " البوهالي لا يحسن السياقة، وإذا قضى شهرا آخرا يتاجر بين الزويرات والعيون سيحولها إلى كركارة." ويشطح الخيال ببعض جيرانه إلى القول لمن حوله أنه:" بدأ يسمع بعض التكركير في السيارة، وأنه رأى قطرات من الزيت تحتها في يوم ماضي."            
                                  *****
نهاية سنة 1975م  
هبت العاصفة، حدث الاحتلال وتفجر السكون. انقلب أعلى الوضع على أسفله. كل من كان يملأ رأسه بمشروع جمده، وبدأ يفكر في النجاة والهروب من أمام الغزاة. لم يسمح الوقت المجنون لاي شخص أن يتنفس أو يعود لذهنه. الذين لهم سيارات، مثل البوهالي، نجوا بجلودهم وبعض أهلهم على الأقل. ورغم أن الذين يعرفون البوهالي، مثل حمادي، قالوا أنهم لم يشاهدوا سيارته الزريقة تشارك في نقل الناس من أمام الغزاة إلا أنه هو يحلف أنه نقل أكثر من عشر عائلات بين الصحراء والرابوني. وحين يسمع أحدا ما يتحدث عن متاعب الانطلاقة يضرب رأسه بيده ويقول متنهدا بحسرة: "كنا نشحن السيارة حتى تستقيم بيسطاتها. مرة وجدت عائلة تكاد تهلك من العطش ونقلتها كلها حتى أوصلتها إلى الرابوني." وفي مرة أخرى يقول:" كنت أنقل عائلة هاربة من أمام الغزو فتبعتني طائرة مغربية، وبدأت تلقي القنابل علينا، ولولا قدرة الله وبراعة الحَسَّابْ في السياقة لحولتنا الطائرة إلى فحم." 
بداية سنة 1976م
تشكلت المخيمات، مسح الناس عرق الانطلاقة المالح من على جباههم السمراء. وبدأت الحياة الحائرة تدب في ذلك الربع الخالي من الأرض. لم يعرف البوهالي ماذا يفعل بسيارته الزريقة. لم تبق أية سيارة في المكان. كل الرجال- وحتى بعض النساء- ذهبوا إلى القتال. أكثر من ذلك تم منع تحرك السيارات في المخيم. كانت العريفات يوجهن إنذارا لكل من وجدوه، خاصة من الرجال، يقود سيارة بين الخيام. وتم توقيف البوهالي أكثر من مناسبة، وكان كل مرة يخرج " بالخيط الرقيق".. وزاد الأمر تعقيدا إن العريفات أقمن نقاط مراقبة عند مدخل كل مخيم، وأصبحن يحتجزن كل سيارة تدخل أو تخرج. وحتى تم صدور قرار من طرف التنظيم يُسمي السيارات غير التابعة للدولة بالسيارات الخاصة. ولم يمر وقت طويل حتى أصبح الأطفال يطاردون السيارات الشخصية ويطلبون من سائقيها الالتحاق بالجيش. وحتى تعظُمُ المصيبة بدأت المعارك الكبيرة تحتدم مع الغزاة، وتم طلب من كل الرجال الالتحاق بالجيش. الفكرة الوحيدة التي لمعت في ذهن البوهالي هي أن يذهب بسيارته إلى الجيش ويسلمها لناحيته. 
وشاهد سكان المخيم في احد الأيام البوهالي لابسا بذلة عسكرية ويطلي سيارته بالغبار والزيوت. في أقل من ساعة حدث تحول غريب في شكل السيارة: أصبحت دخناء ذات لون مائل إلى الاصفرار، تم طمس اللون الأزرق، نُزعت عُطفها وغطائها الأمامي وتحولت إلى دريميزة. بدأ الناس يتعجبون. البعض يقول:" نركب فيها ونحلف أنها ليست الزريقة." ويقول آخرون:" سبحان مغير الأحوال. هذه ليست الزريقة." ويرفع البعض من معنويات البوهالي بالقول:" أصبحت مثل اية دريميزة عادية. تحلف ولا تحنث أنها قادمة من المعركة الآن." 
البعض كان يدرك ماذا يغلي في ذهن البوهالي، والبعض الآخر ربما خمن شيئا آخرا. الزريقة ذات العطف والكبون أصبحت دريميزة، دخنة ومغبرة. 
في مساء نفس اليوم شاهد الناس سيارة البوهالي تخرج من المخيم تحيطها هالة من الغبار متوجهة إلى جبهات القتال. الإحساس بمشاركة السيارة في المعركة كان يسقى نفس البهالي ببعض مطر الأمل. كان حتى يتصور نفسه وهو يقوده سيارته في معركة تطارد المحتلين. وتصور انه ألقى القبض على بعض الجنود الغزاة وكتَّفهم ووضعهم في مؤخرة السيارة ووضع عليهم الشبكة.                          
 حين وصل البوهالي إلى المكان المحدد الذي يتم فيه تسليم السيارات من عند الخواص هاله منظر الذين يسلمون سياراتهم. كانت هناك غابة من السيارات، وكان الكل يتمنى أن يتم قبول سيارته. من سوء حظ البوهالي أن الرجل المشرف على تسلم السيارات لم يكن أحدا أخرا غير حمادي الذي يعرفه. حين جاء دوره عانقه حمادي كثيرا وضحك قائلا له بنوع من المزاح القاتل:" أتظن إن هذه الكركارة تصلح للقتال. هل تظن أنها تستطيع أن تحمل عشرة مقاتلين وتقطع بهم مسافة الف كلم في يوم ونصف. أنظر.. الآن السيارات التي غنمنا من العدو أصبحت أكثر من المقاتلين. لا نجد حتى سائقين كافيين لقيادتها" 
لم يقبل المقاتلون السيارة. تكسر شيء ما مثل الزجاج في داخل صدر البوهالي. من نفس الطريق التي خرجت منها سيارة البوهالي إلى جبهات القتال شاهدها الناس تعود إلى المخيم. الشيء الوحيد الجديد أنها هذه المرة تحمل شبكة فوقها. كان الرجل وهو يتوغل بين الخيام يحس إن نفسه جافة، أكثر عطشا، ربما، من كل الرمال الجاثمة بين أحياء المخيم.. في اليوم الموالي كان سكان المخيم يشاهدون البوهالي يفكك سيارته ويحولها إلى كومة من القطع الميتة بجانب خيمته. كان مهزوما تماما. الناس يتفرجون عليه ويرثون لحاله ولحال سيارته. لا يوجد ما هو أقسى من هذا إطلاقا. كان ينظر إلى سيارته بحزن، يتصورها قد انتهت تماما. كان كمن يدفنها وهي حية. ويُحدث ذاته:" حتى لو انتهت الحرب فمن الممكن أن لا تنهض هذه السيارة من قبرها هذا... إنه يوم محزن. الزريقة، الدخينة، التي حلمت بها زمنا طويلا لم تعيش سوى ثلاث سنوات أو اقل." ويبكي في داخله غاضبا.
نهاية سنة 1977م
ورغم إن البوهالي أصبح مقاتلا إلا أن نفسه لم تصفو تماما. كان دائما يفكر في سيارته، خاصة حين تصله بعض أخبارها. بعض المرات يقول له مقاتلون عائدون من رخصة في المخيم:" زوجتك تقول لك أنه عليك أن تغير مكان السيارة لإنها تمنع عليها دخول الهواء من الشرق." أخرون يقولون له:" إن سيارتك أصبحت مرتعا للعب الأطفال، وأصبحت الغنم تقيل تحتها وتترك هناك بعرها الذي أصبح يجلب رائحة كريهة للجيران.. " ويقضي البعض على ما تبقى من صبر البوهالي حين يقولون له:" أبواب سيارتك تم وضعها في الكُورْ لتظلل على الغنم." 
وحين يعود البوهالي في رخصة ينظف المكان، يغير موضع السيارة المتهالكة، يبحث عن أبوابها في الكور ويعيدها إلى مكانها.
وفي يوم صيفي ساخن، حين كان البوهالي ينظف قِطعْ غيار سيارته، سلمت عليه إحدى العريفات وقالت له طاعنة اخر ما تبقى له:" هناك أمر بإخراج السيارة من المخيم لإنها تشوه منظره."      
كان عليه أن يطلع وينزل، يلتقي مع المسئولين، يأتي برسالة من وزارة الداخلية، يتحدث للناس عن مكانته كمقاتل كي تبقى سيارته في مكانها. في الأخير، بعد أن عرقَ ونشف الف مرة سُمح له بترك سيارته في مكانها. 
                          ****** 
بداية 1991م
توقفت طاحونة الحرب. أصبح الناس، خاصة الرجال، " يكسرون أصابعهم"، يقضمون أظافرهم ولا يجدون ما يفعلونه. بدأ الناس يشاهدون سيارات شخصية تدخل المخيم. سيارات تجار، سيارات تبيع الماء البارد، سيارات لشخصيات مرموقة. انتهى الحديث عن الحرب ومخطط السلام وبدأ الناس يتحدثون عن السيارات والتجارة التي أصبحت تدخل المخيم مطلع يوم.   
نزلت فكرة على رأس البوهالي. لماذا لا يجرب هل لا زالت سيارته صالحة للاستعمال أم لا. الناس حوله اشتروا سيارات اندوروفير قديمة وبدؤوا يستعملونها في التجارة. آخرون بدؤوا يستعملون سيارتهم لنقل المسافرين. أسرَّ البوهالي لبعض أصدقائه أنه سيحاول إعادة الروح إلى سيارته. ورغم أن الكثيرين كانوا يشكون في قدرة كومة الصدأ تلك على النهوض إلا أنهم شجعوه. 
ومثلما شاهد الناس البوهالي يُقطع سيارته ويفككها في سنة 1976م، شاهدوه أيضا يجمع بقاياها وقِطعها في أواخر سنة 1991م. كان عليه أن يعيد تركيبها، قطعة قطعة، وهو يحلم أن ترنكي في يوم ما. كان يتصور أنه يستنهض عظامها من قبر الرمل الذي دفنها فيه. في الأخير، بعد عناء مرهق، وقفت السيارة على رجليها. قام البوهالي بتغيير طلائها من رمادي، رمز الحرب، إلى أزرق رمز السلم. أعاد عطفها إلى مكانها، أعاد أيضا الكبون، وحتى الباش الذي أتت عليه نار الحرارة أعاد ما تبقى منه. حين أتم شهرا متكئا تحتها متحملا الزيوت تتقاطر على وجهه، متحملا رائحة الدخان ظن أنه يستطيع أن يرنكيها. حاول في البداية لكنه لم يصل إلى نتيجة. حاول، حاول، وفي يوم من الأيام، حين كانت الناس نائمة وقت القيلولة، أطلقت السيارة زفرة عميقة مخيفة. استيقظ المخيم على صوت رهيب، مثل زعيق غول عملاق، يصدر من سيارة البوهالي. حين وقف الناس ينظرون إلى مصدر الصوت شاهدوا كتلة دخان سوداء عظيمة تخرج من مكان الصوت وتصعد إلى السماء. لمَّا أسرعوا إلى المكان هالهم أن كل ذلك الزعيق والدخان كان بسبب ترنكية اندروفير البوهالي المحسوبة في عداد الأموات. في المساء كان الجميع ينظر إلى سيارة البوهالي وهي تتجول آنة بين الخيام. الكل كان يتحدث عنها. فحتى الشيوخ وهم يشربون الشاي وقت العصر أو يلعبون ظامة كانوا يقولون:" لاندروفير أرواحها سبعة مثل القط. من يقول إن لاندروفير تموت يكذب. لو كانت لاندروفير تموت كانت اندروفير البهالي، التي كانت تلعب فوقها الغنم خمس عشر سنة ماتت." البعض الآخر يقول إن البوهالي استشعر عودة الحرب فرنكى سيارته.  معجزة والله. 
وحين يسأل الجيران البوهالي عن معجزة ترنكي سيارته يتحدث لهم عن الكثير من الأشياء من بينها زعمه أنها:" سيارة مباركة، شاركت في انتشاله من الفقر، وشاركت في نقل الناس من أمام الغزاة وحتى شاركت في عملية عسكرية."
سنة 2001م
ومثلما فكر البوهالي في ماذا يستعمل سيارته سنة 1975م، حين اشتراها جديدة، فكر هذه المرة أيضا، أكثر من عشرين سنة بعد ذلك، ماذا يفعل بها. ويقول:" سبحان الله. التاريخ يعيد نفسه." كان عليه أن يختار بين أمرين: التجارة أو بساجا( نقل المسافرين)."
أختار البوهالي أن يحول سيارته إلى سيارة نقل بين المخيمات. كان عليه أن يُلائمها ويكيفها مع العصر. جعلها كبوتابلي؛ غطاها وجعل لها كراسي للمسافرين ووضع زجاجا اسودا دون زجاجها. وحتى يلمعها ويجعلها جذابة الصق بداخلها بعض الصور مقطوعة من المجلات. 
حين يقودها بين المخيمات يوميا كان يتذكر كل ما حدث لها:" لا اصدق أنها الآن تقطع هذه المسافة بين المخيمات. الحمد لله أنني لم أرميها." 
بدأت النقود تدخل إلى جيب البوهالي؛ بنى بيوتا واسعة جديدة، أصبح يدعو أصحابه من حين لآخر، وفي بعض الأحيان يسافر إلى الزويرات يجلب بعض الأشياء. كان يوقف السيارة في بعض الأماكن التي كان يوقفها فيه سنة 1975م. 
سنة 2008م
في احد الأيام شاهد سائقو سيارات الاندروفير، باساجا، سيارة طاكسي عند المحطة. كان صاحبها يضع عليها علامة سيارة أجرة. وفي يوم آخر أصبحت الطاكسيات تتزايد مثل الجراد. أصبحت الطاكسيات موضة، وحتى المسافرين بدؤوا يعزفون عن ركوب سيارة لاندروفير، كابوتابلي ويهرعون إلى سيارات الطاكسي. 
كانت الطاكسيات القادمة من أسبانيا تغزو المكان يوما بعد يوم. أصبحت في فترة وجيزة أكثر من سيارات لاندروفير. وحتى أنه في بعض الأيام كان سائقوا سيارات النقل، لاندروفير، ومنهم البوهالي يعودون دون نقل ولا فواياج واحد.     
أخذت سيارات لاندروفير، باساجا، تنسحب مثل بغال فترانة تاركة المكان للطاكسيات. بعض أصحاب سيارات لاندروفير الأذكياء باعوا سياراتهم واشتروا طاكسيات ليدخلون السوق. والأطم أن البوهالي أكتشف في أحد الأيام أن بعض أصحابه، ممن كانوا يمتلكون سيارة اندروفير باساجا، أشترى طاكسي. 
في أحد الأيام وجد البوهالي أن سيارته هي الوحيدة التي تقف عند المحطة غارقة ف بحر من الطاكسيات. أخبرته تصوراته أنه هو الشخص الوحيد الذي لازال يمتلك سيارة اندروفير. اختفت السيارات الأخرى وحلت محلها طاكسيات. كان ينظر حوله ويتذكر كل ما مر به من محن رفقة سيارته. حتى كان يسمع غناءا قادما من قعر الماضي يقول: ادريميزات مغبرات والعدة والذخائر. كان يسمع أصوات غير مميزة لبعدها في الزمن. 
سنة 2012م
أوقف البوهالي سيارته أمام بيته وغطاها بقماش أخضر قوي. أصبحت تأكل وتستهلك أكثر مما تنتج. قاوم القماش الشمس طويلا- حوالي أربع سنوات-  ثم بدأ الاصفرار يغزوه. كان الناس أيضا لا يتركون البوهالي يستريح. كلما دخل صديق إلى خيمته يقول له: عليك تغيير موقع سيارتك هذه وإلا ستأكلها الشمس." كان هو يحس إن الشمس تأكله هو وتقضي على مقاومته. في الأخير قرر إن يحرك سيارته، لكن لم يكن يعرف إلى أين. البعض يقول له إلى البادية، فهذه الأخيرة لا تهزمها إلا لاندروفير كزوار"؛ البعض يقول له إلى لحفيرة، والبعض يقول له " كزدرها وبيع موتورها وكاختها." والبعض يحلف له أنها تباع في مالي بالملايين.  
رنكاها في يوم من الأيام، قادها وهي تئن من وقع الزمن العنيف. لم يكن يعرف إلى أين يذهب بالضبط. العمر لا يسمح له بالذهاب لا إلى مالي ولا إلا البادية ولا إلى لحفيرة. حين كان يفكر سقطت السيارة في حفرة من حُفَرِ لبريك( الأجور) الكثيرة المنتشرة بين الخيام وبقيت مكانها. حاول إن يستخرجها مثلما كن يفعل في الماضي حين كانت السيارة قوية، لكنه في محاولته تلك تكسرت ماكنتها وكاختها. بقيت السيارة في المكان جاثمة. تجمع الناس حوله ينظرون إليه ويسألون عن حال السيارة. كانوا، مع مرور الوقت، يتجمعون أكثر حتى أصبح المكان طافحا بالخلق. البعض، خاصة الميكانيكيين، ينظر إلى السيارة ويقول:" تكولات". البعض يرمقها ويرمق سائقها بنظرة حزن مشوب بالعطف.               
حل صمت ثقيل على المكان. في بعض الأحيان كان البعض من التجار يجرح ذلك الصمت ببعض الكلمات. بعضهم يقول: إذا حولتها إلى الْدُونْ قد تحصل على بعض المال. البعض يقول: لا يصلح منها الآن إلا أبوابها لتظلل على الغنم. 
حل الظلام، انسحب الناس في صمت إلى حياتهم. في الصباح عاد البوهالي إلى سيارته، لكنه لم يجد منها سوى تشاصيها: الأبواب في الكور، العجلات يلعب بها الأطفال، الصفائح الجانبية ذهب بها النحار( الجزار)، المرايا اختفت. 
sidhamdi@yahoo.es        

14‏/6‏/2012

لقاء خاص مع لحبيب ابريكة ممثل البوليساريو بدول الكاريبي حول دور الدبلوماسية الصحراوية


اوسرد ـ مخيمات اللاجئين الصحراويين (وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة)عند التفكير في إجراء اي لقاء  سيكون من الضروري استحضار حيثيات الموضوع وطبيعة الضيف الذي تود استجوابه، تاريخه، درجة إسهاماته لقضيته خصوصا عندما يكون برأينا من أولئك الذين ساهموا وتركوا بصمات لا تنسى في الدفاع عن القضية الصحراوية. لا نبالغ إذا قلنا مما لمسنا أنها تسكنهم و سكنوها ولا يدخرون جهدا في المساهمة في تحرير ارض الصحراء الغربية من بلد شقيق ضل الهدف و الطريق وظلم وهو المملكة المغربية.
هنا تحاصرك ملايين الأسئلة وتخنقك عتبة الأولويات، وكالة المغرب العربي للإنباء المستقلة تستضيف الدبلوماسي الصحراوي لحبيب ابريكة عبد الرحمان الذي عمل في عدة سفارات للجمهورية الصحراوية وكان ممثلا لها في الاتحاد الإفريقي والذي يشغل حاليا منصب سفير مكلف بدول منطقة الكاريبي. برحابة صدر  كان لنا معه هذا الحوار الذي يجيب فيه عن تداعيات سحب الثقة من المبعوث الشخصي للامين العام للأمم المتحدة السيد كريستوفر روس والارتباك الحاصل في الدبلوماسية المغربية وجملة من الأسئلة تتعلق بتطورات قضية الصحراء الغربية.
حاوره ـ محمد احمد ابراهيم ـ
وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: مرحبا بكم ضيفا على وكالة المغرب العربي للإنباء   المستقلة .
ج/ السيد لحبيب بريكة : شكرا على الاستضافة وأعلق على المقدمة أنك أعطيت عني صورة لا استحقها ، أي مناضل الصحراوي يبقى عمله قاصرا ما لم يحقق الهدف الوطني الذي يصبو إليه الشعب الصحراوي .نتمنى لكم التوفيق في عملكم.
اللقاء: .
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة : كيف تقرأون قرار النظام المغربي بما يسميه سحب الثقة من الممثل الشخصى للامين العام للامم المتحدة السيد كريستوفر روس؟
ج/ السيد لحبيب ابريكة : ارتباك وتخبط فى الدبلوماسية المغربية . المهم انه كشف للمنتظم الدولى، واساسا للامم المتحدة النظام المغربى على حقيقته . نظام لايقيم وزننا للشرعية الدولية . من المفارقات ان النظام الذى يفترض ان تسحب منه الثقة بسبب رفضه للامتثال للشرعية الدولية يعطى لنفسه الحق للتدخل فى الطريقة التى يجب ان تدار بها الشرعية الدولية .
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة:  ماذا بعد سحب الثقة من روس ؟ الى اين ستتخه الامور
ج/ الاخ لحبيب ابريكة :المثل الاسبانى يقول ان ( كثرة اللعق تخرج الدم )، الامم المتحدة لم تبدى الصرامة اللازمة لتطبيق قرارتها بخصوص الصحراء الغربية .لقد تركت الحبل على الغارب للمغرب لكى لا يمتثل للشرعية الدولية . المغرب افشل خطة التسوية التى اعدتها الامم المتحدة سنة 1991 لحل نزاع الصحراء الغربية . المغرب كذلك رفض خطة بيكر، ومؤخرا مارس ضغوطا لكى تتم تعديلات على فقرات فى التقرير العام للامم المتحدة قبل عرضه على مجلس الامن . غرورالمغرب هو الذي دفع به الى ان منح لنفسه صلاحية تغيير المبعوث الشخصى للامين العام للامم المتحدة، بل محاولة فرض تصوره لطريقة التى يتعين ان تدار بها المفاوضات مع جبهة البوليساريو وحتى تحديد النتيجة التى يجب ان تصب فيها وهى قبول مقترحه المسمى بالحكم الذاتى . التسامح مع المغرب فى عدم تطبيق قرارات الشرعية الدولية ادى الى ماوصلت اليه الامور .كثرة اللعق-التسامح معه من طرف الهيئة الدولية- اخرجت الدم وسنرى كيف ستتعامل الامم المتحدة مع هذا التحدي الصارخ واساسا ما سيكون عليه موقف مجلس الامن.
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: قلت ان المغرب يريد ان يكون دور الامم المتحدة فى المفاوضات الجارية بينه وجبهة البوليساريو محددة على نقاش الحكم الذاتى.
ـ ج/ الاخ لحبيب ابريكة: هناك وفد صحراوى مفاوض وله استنتاجاته بخصوص ماوصلت اليه المفاوضات مع المغرب . لكن من الواضح ان المغرب يريد ليس فحسب تحديد النقاش فى مايسمى بالحكم الذاتى، بل حتى ان تعمل الامم المتحدة على ان يتم قبوله من طرف البوليساريو .اما هذا واما خلط الاوراق، وخلط الاوراق هى الطريقة التى لجأ اليها المغرب .
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: يتردد كثيرا تراجع الديبلوماسية الصحراوية خاصة عقب وقف اطلاق النار .هل هناك بالفعل تراجع في الدبلوماسية الصحرواية ؟
ج/ السيد لحبيب ابريكة: خطة التسوية الأممية فى 1991لحل النزاع فى الصحراء الغربية كانت ثمرة كفاح مع المملكة المغربية دامت قرابة 16 سنة وتطبيقها بدأ بوقف اطلاق النار على ان ينظم  الاستفتاء في 1992 .هذا لم يتم بسبب المماطلات التى اعتمدها النظام المغربى. كثيرا من الذين لايحبون الصحراويين كانو يراهنون على ان عدم تطبيق خطة التسوية ووضعية اللاحرب واللاسلم التى نشأت ستنهى القضية الصحراوية برمتها ، لكن خابت امالهم بفضل مقاومة الشعب الصحراوى فى كل الميادين ومن ضمنها الميدان الديبلوماسى .الحقيقة ان الصحراويين لايريدون ان تكون ديبلوماسيتهم قوية فحسب، لكن ما يطمحون اليه هو العودة العاجلة الى وطنهم مرفوعى الرأس ومكرمين، و ما لم يتحقق هذا فكل ما يجري من عمل ومن ضمنه العمل الديبلوماسى يبقى دون المطلوب.
ـ س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة:فى المؤتمر الثالث عشر لجبهة البوليساريو وتحت قبة المجلس الوطنى الاشارات كانت واضحة بخصوص ضعف الديبلوماسية الصحراوية .
ـ ـ ج/ السيد لحبيب ابريكة: المؤتمر الشعبي العام يقيَم عادة انشطة جبهة البوليساريو والجمهورية الصحراوية مابين مؤتمرين والعمل الديبلوماسى دائما حاضرا . كديبلوماسى صحراوى لا اقول ان الديبلوماسية الصحراوية ضعيفة، فالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية عضو فى الاتحاد الافريقى وتعترف بها اكثر من ثمانين دولة ضف الى ذلك عشرات اللجان المنتشرة عبر العالم التى تساند القضية الصحراوية، كما ان الحضور الرسمى الصحراوى فى العديد من المنتديات امر لايستهان به، كما انه لا يجب اغفال دور العديد من البرلمانات الدولية في مساندة قضية الشعب الصحراوى العادلة . الحقيقة كذلك هى اننا نعيش ظروفا استثنائية، والديبلوماسية الصحراوية تعانى من انقاص وجميع النقد البناء الموجه لمعالجة هذه الانقاص والتغلب عليها ليس مقبولا فحسب، بل مطلوبا سوى كان ذلك علة مستوى هيئات وزارة الخارجية او فى المجلس الشعبي الوطنى او حتى في المؤتمر الشعبى العام.
ـ س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: من المعروف انك ذو خلفية اعلامية وكانت لكم شهرة واسعة فى العديد من المنابر الاعلامية وخصوصا قناة المستقلة .كيف يمكن للديبلوماسى الصحراوي ان يوظف المنابر الاعلامية فى سبيل تحقيق اهداف قضيته ؟
ـ ج/ السيد لحبيب ابريكة: القضية الصحراوية قوية بنضال شعبها وبكفاحه ومقاومته وبما حققته من انتصارات. يبقى فقط حسن الاداء للدفاع عنها، واذا كان هناك تقصيرا فهو عائد الى من توكل له المهمة، وفى النهاية يبقى الحكم للمشاهد . على ذكر المنابر الاعلامية لابد ان اتذكر هنا المناضل محمد فاضل اسماعيل ، رجل اعلام وديبلوماسى، وافته المنية فى مكتب البولسياريو فى بريطانيا وهو يدافع عن القضية الصحراوية. اداءه فى الدفاع عنها كان دائما حسنا . عاش وتوفى من اجلها . تفانيه فى الدفاع عن القضية الصحراوية عبرة لكل اعلامى وديبلوماسى صحراوى .
ـ س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة:مثلتم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية فى الاتحاد الافريقى . ماردكم على ماقاله مؤخرا وزير الخارجية المغربى،سعد الدين العثمانى ان بلده لن يعود الى هذه المنظمة مادامت بها الجمهورية الصحراوية التى يصفها بالوهمية .
ـ ج/ السيد لحبيب ابريكة:ما قاله وزير الخارجية المغربي مجرد مغالطة. عودة المغرب الى الاتحاد الافريقى غير ممكنة والسيد العثمانى يدرك ذلك . المغرب لم يسبق له  ابدا ان كان عضوا فى الاتحاد الافريقى وهذه المنظمة حلت محل منظمة الوحدة الافريقية التى انسحب منها المغرب سنة 1984 . المغرب لم يكن حاضرا عند قيام الاتحاد الافريقى فى ليبيا سنة 1999، ولم يكن حاضرا عند ما تم الاعلان عنه رسميا فى دربن بجنوب افريقيا سنة2002 . انا لا افهم كيف يمكن للمغرب ان يعود الى منظمة لم يكن اصلا عضوا فيها .وفي حالة ما اراد المغرب الانضمام، فالانضمام ياتى طوعا. حقيقة الامر هى ان المغرب يريد ان توجه له دعوة من طرف القادة الافارقة للانضمام الى الاتحاد الافريقى وعندما يتم ذلك يشترط  انضمامه بطرد الجمهورية الصحراوية .اذا كان السيد سعد الدين العثمانى ينتظر ان يحصل هذا فانه سيعيش خيبة امل ابدية . اما وصف الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية بأنها وهمية فهذا شتم ليس فحسب للدول التى تعترف بها، بل للاتحاد الافريقى بحيث ان الجمهورية الصحراوية تعد من الدول المؤسسة له . يبدو ان الوهم يمنع المغرب من الانضمام الى الاتحاد الافريقى ومن المشاركة فى القمم التى يعقدها ومن الدخول فى القاعات الرسمية  حيث تكتفى اوفوده بأجراء اتصالاتها مع المسؤولين الافارقة فى الكواليس.
ـ س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: تتناول الصحف المغربية من حين لاخر ان العديد من البلدان التى اعترفت بالجمهورية الصحراوية سحبت اعترافها بها وان بذلك اصبحت لاشرعية لها.
ـ ج/ الاخ لحبيب ابريكة:النظام المغربى يرفض تطبيق الشرعية الدولية وقد لايكون مؤهلا  للغوص كثيرا فى الحديث عنها . هذه الشرعية هى التى طالبته بالحاح من خلال الامم المتحدة فى القرار 34/37 /79 ان ينهى احتلاله من الجمهورية التى يصفها بالوهمية . اما بخصوص سحب الاعتراف بالجمهورية الصحراوية فغالبا ما ينسب المغرب لبعض الدول انها سحبت اعترافها بها . ان مايسمى بسحب الاعتراف او تجميده لا اساس له فى القانون الدولى . فالاعتراف لا تقابله شروط ولا رجعة فيه . العلاقة بين الدول تحددها المادة السادسة من اتفاقية مونتيفيديو لواجبات وحقوق الدول التى تنص صراحة على ان اعتراف دولة ما بأخرى يعنى اعتراف هذه الدولة بالشخصية القانونية لتلك الدولة (المعترف بها) وكل ما سيتبع ذلك من اعتراف من واجبات وحقوق طبقا للقانون الدولى .
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: الكثير من الصحراويين يرون انه مضى على وقف اطلاق النار مع المملكة المغربية مايقارب 21 سنة والمغرب مازال يماطل ويمتنع عن الاذعان لقرارات الشرعية الدولية وخاصة عرقلة اجراء الاستفتاء فى الصحراء الغربية وانه مالم تتم العودة الى الكفاح المسلح والضغط عليه سيبقى يماطل الى مالا نهاية . هل العودة للكفاح المسلح واردة فى ظل المتغيرات الدولية التى اصبحت تنبذ الحروب والعنف ؟.
ج/./ الاخ لحبيب ابريكة:المتغيرات الدولية ليست ضاغطة على الصحراويين بقدر ماهى ضاغطة على النظام المغربى بحيث اظهرته على حقيقته كمتمرد على الشرعية الدولية، ويتجلى ذلك فى القرار الذى اتخذه اتجاه المبعوث الشخص للامين العام للامم المتحدة السيد كريستوفر روس، كما انه يحاول اخفاء عزلته على الصعيد الافريقى من خلا المغالطات واللعب بالالفاظ، وينسب الى السفراء الافارقة المعتمدين فى المغرب ما لايمكنهم قوله وهو ان بلدانهم تطالب بعودته الى الاتحاد الافريقى الذى لم يكن اصلا عضوا فيه .المعطيات الاقليمية هى الاخرى ضاغطة على المغرب بحيث ان رهاناته على بناء المغرب العربي على انقاض الشعب الصحراوى لم تنجح .اما امكانية عودة الكفاح المسلح فأنى ارى الوضعية كما يراها اى صحراوى .تكاد تنقضي 37سنة على الصحراويين فى اللجوء وهذه الوضعية لا يمكن ان تدوم الى مالا نهاية . المغرب يحتل جزءا كبيرا من الصحراء الغربية بصفة غير شرعية ولا يمتثل للشرعية الدولية ويرفض قبول تنظيم استفتاء فى الصحراء الغربية، ثم ان الامم المتحدة تأكد فى قرارتها ان الشعب الصحراوى له الحق الغير قابل للتصرف فى تقرير المصير والاستقلال وتأكد على شرعية كفاحه من اجل التمتع بذاك الحق وان جبهة البوليساريو وقعت مع المغرب وقف اطلاق النار وليس انهاء الحرب، وهذه الاخيرة مهما تجر من مأسات وويلات ليست بجديدة على الشعب الصحراوى .
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: الا تعتبر المجهودات التى تقدمها جل سفارات وتمثيليات الجمهورية الصحراوية لنشر القضية لحصرها فى موقع السفارة والتمثيلية وربطها بموقع (ارسو) وبلغات اجنبية اجحاف فى حق قراء العربية من صحراويين وعرب؟
ج/ السيد لحبيب ابريكه: موقع (ارسو ) لا يركز على اللغة العربية وقد يكون لذلك اسبابا، الا اننا لا ننسى الدور الذى لعبه الموقع فى التعريف بالقضية الصحراوية ونشرها فى وقت لم تكن لنا وكالة انباء ولم تكن فيه الصحافة الصحراوية الرسمية وغير الرسمية منتشرة بالشكل المنتشرة به اليوم .
س/ وكالة المغرب العربي للأنباء المستقلة:الا تتفق معى ان للصحافة المستقلة دور اضافى وكبير فى معركة التحرير فى السنوات الاخيرة ويظهر جليا فى الهجوم عليها من المواقع الالكترونية المغربية ونعتها بالمضللة .
ج/ السيد لحبيب ابريكة:لا شك انه كان  للصحافة المستقلة المسؤولة دور كبير فى التعريف بالقضية الصحراوية خلال السنوات القليلة الماضية،واى وسيلة اعلام لا تتفق مع اطروحات المغرب بخصوص قضية الصحراء الغربية يعتبرها النظام  فى المغرب مناهضة لما يسميه بالوحدة الترابية، واذا كان المنبر الاعلامى صحراوى، فالنظام المغربي يلجأ الى مخابراته للتشويش عليه واسكاته وهذا ليس بغريب حيث يتطابق تماما مع الطبيعة اللاديمقراطية للنظام فى المغرب.
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: روجت بعض وسائل الاعلام المغربية عن اشاعة مفادها سحب بعض دول منطقة الكاريبى اعترافها بالدولة الصحراوية كيف تم التعامل مع الموقف .
ج/ السيد لحبيب ابريكة:الاعتراف لا يسحب. اشاعات وسائل الاعلام المغربية لاتحصى ولاتعد .
س/ وكالة المغرب العربي للانباء المستقلة: كلمة اخيرة تود قولها.
ج/ السيد لحبيب ابريكة: نزاعنا مع المغرب حتما سينتهى .الشعب المغربى شعب شقيق والمغرب بلد جار ومحكوم علينا بالتفاهم . المغرب تأكد اليوم اننا لسنا اشرار المنطقة كما كان يقول فى المراحل الاولى من النزاع بل شعب مسالم ودولته بشهادة الجميع تحترم الاخر وتربطها علاقات ديبلوماسية وعلاقات صداقة مع العديد من بلدان العالم . المغرب ادرك كذلك ان الاوصاف التى تنعت بها البوليساريو على انها شيوعية وحفنه من المرتزقة وارهابية تبين انها عارية من الصحة .وانه رغم الحرب على الشعب الصحراوى وما جرته من ويلات، بقيت قضيته شامخة بفضل مقاومة وصمود ابناءه وبناته .يقولون ان الخطوة الاولى هى الاصعب، والخطوة هنا، ليست بالصعبة وسيشيد بها الجميع وهى ان يخطو المغرب ويعترف بالشعب الصحراوى .

13‏/6‏/2012

النقد بين المبدأ وخصوصية الظرف


محمد لبات مصطفى
بعد أن أحدثت الشبكة العنكبوتية، ثورة كبيرة في عالم الاتصالات، و أثبتت قدرتها على  تخطي الحدود، وسرعتها الفائقة في الوصول إلى أكبر عدد من القراء. وأصبحت مصدرا رئيسيا للمعلومات والأخبار. أصبح معها بمقدور من يشاء، بيسر وسهولة، ليس فقط الإسهام في إيصال صوته، ورأيه لجمهور واسع من الناس. بل كذلك إعمال الكثير من حقوقه، في كل ما يرتبط بالشأن العام، الذي هو شأن العامة، وخاصة : حق حرية التعبير، وحق المشاركة في السياسات العامة للمجتمع والدولة ، ككشف الفساد، وترهل المؤسسات، ومراقبة التسيير، ومساءلة المسيرين ونقد أداءهم ان أساؤوا.
 مناسبة هذا الكلام، هي الرغبة في المساهمة في تسليط الضوء، على بعض التساؤلات، التي يثيرها بعضا من الصحراويين ـ على مختلف المستويات ـ من حين لآخر، حول حقيقة الاستفادة الايجابية من هامش الحرية الذي أتاحته بعض المنابر الوطنية الحرة، والتهم الملتصقة بها، ولعل أقلها: المبالغة في جلد الذات، واثارة روح التشاؤم، وتعمد نشر الغسيل للخارج .
تحت مسميات عديدة..ومنها الغيرة على المصلحة الوطنية، وبذرائع مختلفة.. لا يُخفي بعضا من القائمين على الشأن العام اليوم، وفقا لرؤياهم الشخصية، ضيقهم الشديد مِنْ كل مَنْ ينتقد سياساتهم بالقول أو الكتابة أوالتصوير أو الكاريكاتور أو التنكيت، وسائر وسائل التعبير المتاحة.
نحن نتكلم عن النقد البناء الذي تنحصر أهدافه، في الرفع من درجة التأهب والتنبّه واليقظة الشعبية المدركة لخطر لاحتلال الدائم.. ومقاصد ذلك النقد هي العودة للأصول بما تعنيه من اعادة بعث واستنهاض الروح التنظيمية، ومحاربة التسيب الذي تسبب في تبديد أرصدة التنظيم: المعنوية والمادية.
نقد موضوعي ، يريد منه أصحابه ـ برقابة ذاتية ـ التنبيه لخطر الفساد ومعالمه ومظالمه، والعمل على تماسك الهيئات، وانسجامها، وضبـط أوضاعها، ودفع اطاراتها بالتمسك بمبادئ التنظيم السياسي..وقيم التآخي النضالية..والنظم  الداخلية.. والوعي بحجم المسؤوليات، وتقدير الواجبات، والتمسك بالسلوكيات التنظيمية الأصيلة التي أطًرًت على الدوام علاقات القمة بالقاعدة.
تَبَيًنَ ان لدى بعضا من السلطات الوطنية حساسية شديدة من هكذا طرح ـ لايستصيغه اطارهم الفكري ـ حين ذهبوا بعيدا في المغالاة في استثنائية الظرف والتذرع بخصوصيته، إلى حيث لا يعلم أحدا، أين هي فعلا الخصوصيات؟ وأين هي العموميات؟. أين هو الواقع والقبول بمفاهيم العصر؟ وأين هو الخيال والاصرار على التمسك بالماضى وسياساته وأشخاصه؟ أين هي الحدود الفاصلة بين القضية والأشخاص الذين يستغلون شرعيتها وقدسيتها كمظلة لتحقيق مآربهم الخاصة؟.
صحيح واقعنا صعب، وظروفنا شاقة، وجدا استثنائية. حيث لا توجد خيمة أو بيت على امتداد جغرافية الوطن، وفي مناطق انتشار الصحراويين كافة. الا وما زال الحزن يسيطر عليها لاختطاف اب.. أواعتقال أم.. أو اغتيال شقيق. وشعبنا يتعرض لحرب نفسية من طرف أجهزة دعاية عدو متمرس في رسم سياسات التلفيق والتزوير و" اشلاوش" والكذب والبهتان..وطبيعي ان يستغل ما ينشر هنا وهناك، والذي ليس كل ما فيه إيجابيا بالضرورة.
في السنوات الأخيرة، تضاعف علينا هبوب رياح عاتية من السموم المهلكة، من أقلام توسعية، وأخرى شوفينية، عنصرية، أوخائنة مرتشية. وأيضا من أفواه حاقدة، قاحلة لا تحوي سوى الأشواك والجفاف والسموم. وفيها من الكذب والافتراء والتزوير والعهر السياسي الكثير.. وفيها من  النفخ في بوق التفرقة، والتحريض على ضرب مقومات الوحدة الوطنية، ما لا يعد ولا يحصى.. وفيها من الإصرار على إسقاط المشروع الوطني، ومحاولة زرع روح الانكسار المعنوي في أوساط شعبنا، الكثير..وفيها من الخيانة المستفزة لعقول الصحراويين من جانب ـ للأسف ـ بعضا من حملة الهوية الوطنية الكثير..وفيها من خيانة أمانة الكلمة، والقلم الذي اعزه الله بسورة في القرآن الكريم الكثير الكثير الكثير.
لكن اللافت للنظر أيضا ان اﻟﺒﻌﺾ ـ تنظيرًا وممارسة ـ ﯾﺮﯾﺪ ﺗﻤﯿﯿﻊ ﺧﺼﻮﺻﯿﺗﻨﺎ.. ويسعى الى خلط الأوراق، ومحاصرة الناس في دائرة اتهامات ضيقة، وكبح الاجتهادات واعاقة تعزيز وتوسيع نطاق القناعات الشعبية، والتستر تحت شعار " ابكينا ف اسواقانا".. والتحجج (بخصوصية الظرف) ليقول ان الظرفية ليست ملائمة بعد، للجهر بنقد السياسات، والامعان في جلد الذات..ونشر الغسيل للخارج..الى غير ذلك من قائمة الأوصاف التي يعج بها قاموس كثرة من المتصلحين ومرتاحي البال..)باش جات غزات( المستفيدين من تمييع "خصوصية الظرف".
هذا الرأي، وان كان تحت تأثير هواجس القلق الدائم على مسار القضية، كونه قد يتقاطع مع أجندات العدو، فان فيه مبالغة غير مبررة، ومثل هذا الطرح، يكشف أيضا منطق الوصاية على الرأي العام الوطني الصحراوي. وفيه محاولة لكم الأفواه. ومنع ممارسة النقد والنقد الذاتي، الذي هو مبدأ من مبادئ جبهة البوليساريو. التي لقنت مناضليها فيما سبق انه من حقّهم جميعا، بل من حق كل الصحراويين، انتقاد سلطاتهم، حين يتدنى لديهم الشعور بأمانة المسؤولية، أو حين تتغير عندهم القناعات والمفاهيم.. أو حين يجنحون الى تعزيزالفردية والاستبداد.. وهم الذين قدموا أنفسهم راغبين لخدمة الشعب، وتكفّلوا طائعين في تسخير أنفسهم وجهدهم ووقتهم لخدمة جماهيرهم وقضية شعبهم.
في قاموس الجبهة وتقاليدها، تعتبر المسؤولية، تكليفا وليست تشريفا، وبالتالي يعتبر تقييم حصائل وإنجازات، وانحرافات وإخفاقات الاطارات، وكسر كلّ الطابوهات، ليس فقط حقا، بل واجبا أيضا تقتضيه المصلحة العامة، والسقف الوحيد هو الالتزام بالقضية الوطنية والانتصار لها، والاحترام المطلق للثوابت الوطنية: ـ الجبهة الشعبية حاضنة الكفاح والشرعية : بمبادئها ومنطلقاتها ـ مظلة الوحدة الوطنية : بمضمونها وأهدافها ـ حق شعبنا الثابت في الحرية والاستقلال على كامل ترابه الوطني ـ تمجيد مآثر جيش التحرير الشعبي الصحراوي المقاتل ـ واجب الوفاء لأمجاد شهداء الشعب، والمفقودين، والمعتقلين، وكل من ترك بصمته، بهذا القدر أو ذاك، على طريق استقلال الشعب الصحراوي وحريته.
لقد كانت البوليساريو رائدة في تدعيم الرقابة الشعبية على الأداة )الأطر (من خلال عدة وسائط ذات تأئير نضالي ضاغط، من بينها اضافة الى مبدأ النقد والنقد الذاتي، صحيفة رأي الجماهير، التي كانت تعنى بممارسة الرقابة على الأطر، وتجعل أعمالهم باستمرار تحت النظر الدائم للرأي العام الوطني. كما كان لمؤتمر عموم الولايات السنوي.. والندوات والملتقيات الوطنية، وبعض النشرات الداخلية ذات التوزيع المحدود أدورا متفاوتة في معالجة متطلبات النضال، و"ردع" اطارات الدولة والتنظيم.
كما ساهم لقاء الأطر )1976( الذي أشرف عليه مفجر الثورة الشهيد الولي مصطفى السيد في وضع اللبنات الأولى لضوابط الممارسة القيادية، بشكل يضمن التعاطي بين القمة والقاعدة، وفق نموذج شفاف أساسه المحاسبة والتقشف والمثالية، وتقدم الصفوف، حتى يظل القائد دائما مصدرا للإبداع والتميز، ويتصدر المشهد بطلائعيته ومصداقية وعلمه وفكره من أجل التحرير والتغيير والتقدم.. وليبقى فعل القائد منضبطا مع الثقة والصفة التي حازها.
وفي نفس الاجتماع الذي اصطلح على تسميته في أدبيات الجبهة بلقاء الأطر، حذر معلن الدولة الصحراوية من احتمال خطر انتهازية سلطاتها وقياداتها. ودعا الى ضرورة هز الكوادر، حين تركب على ظهر الشعب.. أو تستغل النفوذ والسلطة.. أو تحتكر المغانم.. أو"تأكل" المكاسب..أو تفرط فيها ..أو تتركها تضيع.. نتيجة للعجز.. أو نتيجة لميولات جديدة عند الاطارات.. ) المحاضرات مسجلة بالصوت وموجودة في ارتشيفات الجبهة (.
هذا التأكيد على شرعية نقد القيادات.. وهزها عند اللزوم، على لسان مفجر الثورة، الغرض منه ان يدرك الجميع ان الزعامة في الجبهة تقوم على أساس: التضحية و الإيمان المطلق بالقضية، وقدرة الأطر على الإلهام و تحريك الجماهير ليس الا. ومعناه: ان الجبهة مدرسة للتضحية والنضال، من اجل الوطن ومن يعيش عليه من مواطنين، وليست ينبوعا للانتهازية.. والمحاصصة القبلية.. واالزبونية.. والسعي للجاه وتجميع الاموال؟ ومعناه كذلك : ان المسؤولين معرضون دون استثناء للنقد حين يُخلون بواجب المهمة العامة التي انتدبوا اليها. ففي ثقافة الجبهة لا تمجيد ولا قداسة لحي يرزق. ) الشهداء هم وحدهم من أدوا الواجب (.  ومن لا يتحمل النقد ويتقبله بروح رياضية.. يفترض فيه أن لا يتبوأ موقعاً تنظيميا يدير من خلاله شؤون المواطنين؟ اذ ليس هناك أي إنسان في هذا العالم المترامي الأطراف غير معرض للنقد والمساءلة، وبلادنا لا يمكن أن تكون "استثناءا" وتختلف عن بقية دول العالم في هذا المجال.
جميعنا يدرك انه كلما ازداد المدح والإطراء ، تقلص هامش الرأي والرأي الآخر، وتوسعت مظلة المحظورات، وأصبح مبدأ النقد والنقد الذاتي بمثابة الجريمة و"خيانة الوطن" و" التواطؤ مع أعدائه". وسيكون دور النخب ووسائط الاعلام الوطنية غش الجماهير إذا اقتصر هذا الدور على المبالغة في ترويج الخطاب الاحتفالي والانتصاري )خطاب الارتياح المغشوش(. وكيل المديح لمن بيدهم السلطة في حين يقتصر اللوم على المواطن حين يطالب بنظام أكثر مؤسّساتيّة في إدارة شؤون المجتمع، أو حين يجهر ببعض الحقائق التي تعاكس ادعاءات بعض المسؤولين، أو حين يندد ببعض الممارسات المعيبة )فضائح( لبعض من تولوا أمره.
ان ما نلاحظه اليوم من ارتفاع نسبي لسقف الكلام ، وتزايد رسائل الاحتجاجات خارج "صندوق البريد" سببه ذلك الخلل الكبير المتعلق بمصداقية الاطارات )بدون تعميم( فمنهم من جعل الوزن القيادي مؤجلاً وممنوعاً من الصرف؟ ومنهم من عرَض القضية لمخاطر كادت أن تعصف بمجمل المسار الوطني.. ومنهم المؤلفة قلوبهم الذين يحتاجون الى اعادة انتاج الوازع الوطني لديهم.. ومنهم من ما كان ليكون لهم "أدوار قيادية" لولا "التوازنات " واستعداداتهم التي تناسبت وبرنامج "خصوصية المرحلة"..
لسنا هنا في مقام الاساءة أو الاحراج لأحد، وما ينبغي لنا، كما اننا لسنا بصدد أن نبخس أحدا حقه أو ننكر عطاءه. أو دوره المشهود، وجهده الغير منكور في مسيرة الشعب الصحراوي الطويلة على طريق  الحرية والاستقلال. فالتاريخ لن يضيع حقا أو حقيقة لأحد.. لكن ظروف اشتداد الخطر على قضيتنا ، تضطرنا ان نظل نصرخ، ونكتب، ونسعى لعل وعسى.
هناك عدد من الأشياء التي لا بد أن تقال جهرا ، ومنها ان الوزارات الفائضة عن الحاجة جعلت منطق الدولة وامتيازات وحصانة الوزراء هي الغالبة، وهي المقدمة على ما عداها في جدول الأعمال السياسي. وعليه فإذا اردنا مكافحة الفساد وزجر ولجم نوازع المفسدين وﺘﻤﻜﻴﻦ اﻟﻨﺎس ﻣﻦ ﻋﺮض ﺷﻜﻮاهم اﻟﻤﺘﻌﻠﻘﺔ بالمحسوبية والزبونية، وغيرها من اﻟﻤﻌﺎﻣﻠات ﻏﻴﺮ اﻟﻌﺎدﻟﺔ. فالطريق واضح : صحافة حرة وقضاء مستقل بإﺟﺮاءات ﻓﻌﺎﻟﺔ وسرﻳﻌﺔ وﻋﺎدﻟﺔ.. تنشر الأحكام وتلزم الإدارات العمومية بالجواب على تظلمات المواطنين. وهذا ـ عكس ادعاءات كثيرين ـ سيظل مطلوبا، وظروف الاحتلال، لا تعيقه، ولا تستدعي تأجيله، بل تجعله أكثر إلحاحًا وراهنية. ومن شأنه أن يزيد قوة المجتمع في كنف وحدة وطنية مضمونة تمتلك ما يكفي من المضادات لدرء عدوى الانتهازية والخيانة. ومواجهة التحديات التي يأتي في مقدمتها الاحتلال وبطشه. 
المجد والخلود للشهداء والخزي والعار للأعداء

 
electronic cigarette review